الحركة الإسلامية في الاتحاد السوفيتي السابق وتاريخها المخفي

news-VBoqMN4YOR

news-VBoqMN4YOR

العلامات:

0
05-11-2013
لانعرف الكثير من المعلومات عن الحركة الإسلامية في بلادالاتحاد السوفيتي السابق، فما يعرف عن تاريخها وعن رجالها قليل جداً على الرغم من أن الفترة الزمنية التي عاشوا فيها ليست بالبعيدة تماماً، ويرجع ذلك إلى حقيقة أن العديد من عناصرها الفاعلة لم يتناولوا القلم بين أيديهم؛ ليسطروا خيوط تاريخها المخفي عن الناس، وكذلك انتقال بعضهم إلى الرفيق الأعلى بعد أن وافتهم المنية ودفنت معهم جميع أسرارهم. ما نراه اليوم من حراك في المجتمعات المسلمة، إنما هو نتاج تلك الحقبة السوفيتية التي تستحق أن يزال عنها اللثام ويتعرف المسلمون عن بعض خفاياها، لقد كانت الحقبة السوفيتية الأكثر عناء وصعوبة وامتحاناً للعديد من القادة والأئمة والحاملين للراية في ذلك الزمان، بل كانت تلك الفترة واحدة من أكثر الفترات مأساوية من فقدان غالبية العلماء، وطمس معالم تاريخهم الناصع النقي، وهدمٍ للمساجد، وحرق للكتب الدينية الثمينة، وفي الوقت نفسه كانت تلك الحقبة مثيرة للاهتمام حول تطورالإسلام في المنطقة الأوروأسيوية وكيفية صمودها أمام المد الشيوعي الكاره لكل ما هو ديني. إحياء التقاليد كثيرة تلك الشخصيات التي تربت على أيدي علماء زمانهم، وواكبت دخول الحركة الشيوعية، وأيديولوجياتها بين أبناء المسلمين من مختلف القوميات والعرقيات، من بينهم الشيخ «عبد الله نوري» الذي ترأس حزب النهضة الإسلامية في طاجكستان والذي توفي عام2006م بعد مرض عضال، والشيخ «عبد الله أوتا» والشيخ «عبدالولي» من أكابر علماء آسيا الوسطى اللذان قضيا نحبهما في سجون الطاغية «كريموف» بأوزبكستان. وكثيرة كذلك تلك الحركات التي لعبت دوراً في الحفاظ على الهوية الإسلامية بين أبناء الوطن، واحدة منها حركة «صفاء الاسلام» التي لعبت دوراً مهماً في نشر الوعي وأصول التربية الإسلامية بين الشباب وظهرت في بداية السبعينيات من القرن الماضي. حركة «صفاء الإسلام» هي واحدة من المنظمات الاسلامية غير الرسمية، وحدت عدداً من النشطاء المسلمين لإحياء التقاليد الإسلامية بين أبناء الشعوب المسلمة، سبب ولادتها وجود استياء بين عدد من الشباب المسلم من الوضع الذي وصل إليه التعليم الإسلامي الذي كان أقرب إلى التعليم الكنسي منه إلى التعاليم الإسلامية. وقد تركز العمل التعليمي والتثقيفي على الطلاب العرب، والطلاب القادمين من بلاد الهند وباكستان، حيث يقدمون محاضرات في بيوت المسلمين بعيداً عن أعين «الكي جي بي»، و بعضها في المسجد إن وجد، وهو ما كان يحصل حينها في مسجد مدينة موسكو الوحيد، مسجد «براسبكت ميرا (شارع السلام)». التركيز في حلقات التدريس كان على القرآن الكريم وتعليم القراءة والنطق الجيد للحروف العربية، مع بعض من التفسير والأحاديث النبوية، بالإضافة إلى كتب في الفكر الإسلامي الذي كان يدرس لنخبة منهم، وكانت نتيجة هذه الدورس تشكيل ما تعارف عليه فيما بعد بـجمعية «صفاء الإسلام». بعيداً عن المصالح في عهد الزعيم السوفيتي «ليونيد بريجينيف» كان هناك نوعاً من التراخي في قمع المعارضين مقارنة بفترة «ستالين» و «خروتشوف»، وكان هذا هو السبب الرئيسي في دفع مجموعة من الشباب إلى التلاحم فيما بينهم بهدف تنظيم أنفسهم ومحاولة إحياء القيم الإسلامية داخل البيوت المسلمة، وقد تجمع في هذا النشاط شباب من سكان «موسكو وسانت بطرسبورغ» ومن منطقة «الفولغا والأورال»، وكان المؤتمر غير الرسمي في عام 1981م في مدينة «قازان»، وتم الاتفاق على تسمية الجمعية بصفاء الاسلام. وكانت التسمية تعبيراً عن جمعها مجموعة من المتطوعين الناشطين والصادقين، الذين رصدوا عملهم وجهودهم للعمل في سبيل الله، بعيداً عن تحقيق المصالح الشخصية وعن ممثلي الإدارات الدينية التي غالبا ماكان يرأسها رجال من المخابرات أو القريبين منهم. وركز الشباب المتحمس على إعادة إحياء الكتب الاسلامية القديمة لعلماء الأمة في روسيا، وتحديداً العلماء التتار القدامى وغيرهم من جمهوريات آسيا الوسطى، وإعادة طباعتها ومراجعتها، فطبع كتاب الاتقان في التفسير وكتاب «البيان» للنعماني، وكتاب «جوامع الكلم» في شرح الحديث النبوي، وقصص الأنبياء وكتاب اللغة العربية «معلم ثان»، وكتاب «علم الحال» في الفقه الاسلامي، وكتب في النحو والصرف وغيرها، عدد من هذه الكتب تم إرسالها إلى آسيا الوسطى، حيثما يتعلم الأطفال وطلاب العلم في ما يعرف بالحُجُرات، وحيثما كان الطالب يسكن عند شيخه ولا يخرج إلا في أوقات معينة وبعد أن يتقن العلوم التي بحوزة شيخه. أنشطة شبابية ومع بداية «البريسترويكا» وظهور بوادر انهيار للحكم الشيوعي بدأت هذه الأنشطة تأخذ طابعاً أكثر اتساعاً، حيث كانت تستغل الأعياد الوطنية الرسمية لاجتماع الشباب في مدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان، من العديد من المناطق الروسية ليتم فيها مراجعة الأعمال والتعرف على أنشطة كل فريق في منطقته، وتبادل الخبرات والكتب الدينية التي تمت طباعتها في كل منطقة على حدة، ومن ثم توزيعها على المناطق الأخرى. ولعله من باب التوثيق لتلك الحقبة والتعريف بهذه الفئة من الشباب نذكر من بينهم: محمد صلاح الدينوف الذي ترأس الجمعية آنذاك، ونورالله مفلحنوف من مدينة «تشيستوبل»، وعبدالحق قيوموف، وطلعت والييف، ورشيد إسحاقوف من قازان وحسن مصطفين من موسكو والشيخ محمد قراتشاي من جمهورية كراتشاي شركيسيا وغيرهم. ومن بين الذين لمعت شخصياتهم كأئمة ونشطاء في العمل الإسلامي على الساحة الروسية وكانوا ثمرة تلك الجهود: الإمام شاميل علاء الدينوف الحاصل على البكالوريوس في الشريعة من الأزهر الشريف، والإمام رئيس بلالوف والأئمة فائز محمدشين ونورالاسلام إبراهيموف وغيرهم. ولايزال الكثير من تاريخ الحركات الإسلامية العريقة طي الكتمان في شمال القوقاز وتتارستان، وجمهوريات حوض نهر الفولغا، وغيرها من المدن والمناطق التي نشط فيها رجال كثر، قدم بعضهم حياته في سبيل ذلك، وخاصة في بداية العهد الشيوعي، الذي جاء ليجتث كل ما هو ديني إسلامياً كان أو مسيحياً. (*)باحث في الشؤون الإسلامية في دولة الاتحاد السوفييتي السابق