بيوتر غونتشاروف ـ خبير روسي

news-nSqI6sZKrQ

news-nSqI6sZKrQ

العلامات:

0
01-11-2013
لا بد أن المشكلة النووية الإيرانية تعد التحدي الأكبر، الذي يواجه الدول الكبرى على صعيد جهود الحد من انتشار السلاح النووي. والاستنتاجات التي خلصت إليها مراكز التحليل الكبرى في واشنطن من أجل إدارة باراك أوباما بشأن البرنامج النووي الإيراني، جاءت غير متوقعة للغاية، كما تبين.

فالخبراء وضعوا فرضيتين لتطور الأحداث، إما التسليم بحتمية أن إيران ستتوفر لديها خلال 6 أشهر كمية كافية من اليورانيوم لصنع قنبلة ذرية، وإما انتظار إشعار رسمي بذلك بعد الـ6 أشهر هذه. وكان المسوغ لهذا الاستنتاج التقرير الأخير الذي قدمه المدير العام للوكالة الدولية.

لكن متابعة تطورات الطموحات النووية الإيرانية تدل إلى طريق ثالث يمكن أن تسلكه طهران،
وبداية يجب التأكيد على ضرورة الفصل بين البرنامج النووي الإيراني كوسيلة إستقواء عسكرية، ما يعني أن طهران تسعى بالفعل إلى امتلاك القنبلة النووية، وتوظيفها كعنصر ردع عسكري وسياسي، أو أن يكون البرنامج كله أداة سياسية لفرض معادلات وشروط في اللعبة الدولية والإقليمية. وأنا أميل إلى الرأي الثاني من خلال المتابعة الدقيقة لأداء النخب الإيرانية في السنوات الأخيرة.

والمقصود أن إيران لا تسعى إلى تجاوز الخط الرفيع الفاصل بين التطوير السلمي والعسكري للطاقة الذرية. وأنها ترغب فقط في امتلاك القدرة على التطوير من دون التطوير ذاته. ولاحظ المتابعون تقاربا كبيرا في موقفي موسكو وواشنطن حيال الملف النووي الإيراني بعد وصول الرئيس اوباما إلى سدة الحكم. لكن ينبغي الالتفات إلى أن هذا التقارب لا يمكن في أي حال أن يعكس توجهاً لمقايضة ما بين البلدين، ومهما كانت ملفات الوضع في القوقاز أو آسيا الوسطى أو علاقات روسيا بجاراتها في الفضاء السوفياتي السابق حيوية بالنسبة إلى موسكو، فإن الأكيد أنها لن تقدم على مبادلة تقوم على إدارة الظهر لطهران في المرحلة الحالية، أو على المدى القريب والمتوسط. بل ويمكنني أن ازعم أن تطورا من هذا النوع يبقى مستبعداً حتى على المدى الاستراتيجي البعيد.

والسبب أن المصالح الكبرى التي تربط روسيا مع إيران لا تتراجع أهميتها مهما زادت أهمية الملفات الأخرى، وبينها العلاقة مع الغرب، وضرورات تحسين الموقف الروسي في الفضاء السوفييتي السابق.

وتعد طهران شريكاً استراتيجياً لروسيا في منطقة جنوب القوقاز وحوض قزوين، وأيضاً في منطقة آسيا الوسطى. ورغم أن موسكو تعلن بقوة معارضتها لبرنامج نووي عسكري إيراني، لكن واقع الحال يؤكد قناعة المسؤولين العسكريين الروس أن طهران أولاً لم تسر خطوات جدية على طريق بناء قوة عسكرية نووية، وأنها لو سعت إلى السير على هذا الطريق فإن روسيا تبقى بالنسبة إليها شريكاً إستراتيجياً، وهي لا يمكن أن تشكل خطراً على روسيا.

وثمة أمر آخر يفسر سبب الحرص الروسي على التماشي مع الضغوط الغربية لكبح جماح الاندفاعة النووية لطهران، وهو الحديث عن أن امتلاك طهران الافتراضي لسلاح نووي قد يطلق في المنطقة سباق تسلح من نوع جديد، ويهدد بزعزعة الاستقرار في منطقة تقوم أصلاً على الصراعات، ولم تشهد في التاريخ عهود استقرار إلى في أوقات قليلة.

من جانب آخر فإن لدى روسيا رؤية واضحة حول ضرورة عدم الخلط بين برنامجي إيران وباكستان النوويين. فالأخيرة لديها أغراض معروفة وواضحة، أدت إلى تجاوز خط التصنيع العسكري النووي لمواجهة جار نووي أيضا. بكلمات أخرى إن القنبلة الباكستانية عدوها واضح ومحدد، وهذا لا ينطبق على القنبلة الافتراضية عند إيران.

ولا بد أن التقارب الروسي الأميركي وخصوصاً بعد زيارة أوباما الأخيرة إلى موسكو يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تسوية المشكلة النووية الإيرانية، وروسيا لديها أوراق مهمة للتأثير على الإيرانيين يمكن توظيفها بشكل جيد .

وقد عرضت موسكو على واشنطن "خارطة طريق" لحل المشكلة الإيرانية منذ فترة طويلة، وعرضت روسيا ذلك عندما لم يكن يعمل في إيران أي جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم. والآن يعمل هناك من 4 إلى 6 آلاف جهاز طرد. والوقت قد فات. وحتى إذا تسنى لأوباما بدء مفاوضات مباشرة، يبقى السؤال: هل توافق إيران على وقف تخصيب اليورانيوم؟.

إن ثمن هذه القضية مصير نظام منع الانتشار النووي، ولا يبقى الآن إلا التخمين، من سيكون الجديد الذي سيعلن عن حقه في امتلاك الدورة النووية الكاملة "للأغراض السلمية"، ويصبح على بعد خطوة واحدة من القنبلة النووية، السعودية أم مصر أم تركيا؟