روسيا والحجاب.. من جديد.. فرض قوانين الاتحاد السوفييتي السابق

news-9rYaYGuu15

news-9rYaYGuu15

العلامات:

0
05-11-2013
موسكو: د. أحمد عبدالله

ما أن يستقر الوضع نوعاً ما في المجتمعات المسلمة في روسيا حتى يأتي ما يعكر صفو هذا الاستقرار، بمواضيع يرتفع من خلالها الضغط داخل المجتمع، وتراشق القوميات والفئات المجتمعية الاتهامات بين بعضها بعضاً، إما بالاتهام بمحاولات هدم الثقافة الروسية الغالبة في المجتمع، أو الحديث عن محاولة تهميش وعدم قبول الآخر وثقافته الإسلامية المتنوعة.

المشكلة هذه المرة بدأت بحملة ضد الحجاب في المدارس الابتدائية والثانوية، منبع القضية بدأ بمنع مديرة إحدى المدارس الابتدائية في قرية «كارا توبي» الصغيرة، التي تقع في محافظة «ستوربول» في الجنوب الغربي لروسيا الاتحادية مجموعة من الفتيات من دخولهن للدرس بغطاء الرأس، قرية مغمورة لا يعرفها أحد ولم يسمع بها من قبل تتسبب في قضية على نطاق روسيا ككل، تدخلت النيابة العامة ورفعت قضية أمام المحكمة بعد رفض أولياء أمور البنات، والبنات أنفسهن، الالتزام بقرار المديرة «غير القانوني»، حسب رأي آبائهن، حيث صنفت القضية على أن هذا الزي «طائفي»، ويساهم في عزل البنات عن غيرهن، بل وصل إلى درجة اعتبرت فيه المديرة «الحجاب يساهم في حجب عقل البنات عن استقبال المعلومات»! مصورة أن غطاء الرأس أصبح حاجزاً إلكترونياً لوصول المعلومة للتلميذات! في حين أن النتائج الدراسية للتلميذات تشير إلى عكس ذلك تماماً. رد فعل الحكومة رد الحكومة الروسية لم يتأخر كثيراً، حيث بدا في البداية متناقضاً، فبعد تصريحات وزير التعليم الروسي «ديميتري ليفانوف» الذي اعتبر تصرف المديرة مخالفاً للقانون، وأن من حق التلميذات لبس ما يرونه مناسباً لاعتقادهن، مع تركيزه على عدم وجود قانون ينظم هذه المسألة، لكن الأمر اختلف بعدما ساند الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، في نهاية شهر ديسمبر من العام الماضي، قرار حكومة ولاية «كراسندار»، الذي اتخذته في جلستها يوم 31 أكتوبر 2012م، بفرض زي مدرسي موحّد في كل المدارس، والعودة إلى النظام السوفييتي الذي كان يفرض هذا النمط في كل المدارس الابتدائية، وزاد التأكيد عليه في حواره المباشر مع المواطنين الروس يوم 25 أبريل بأنه لا خير من ارتداء التلميذات الحجاب في المؤسسات التعليمية بروسيا! قرار الحكومة في الإقليم يشير بوضوح إلى «حظر كامل داخل المباني التعليمية للباسٍ ذي طابع ديني، وأي نوع من الإشارات أو العلامات التي تشير في مظهرها إلى الدين، ومن جملتها الغطاء على الرأس». الحكومة الروسية الفيدرالية لم تبقَ بعيدة عن هذه المشكلة، حيث قامت بتنفيذ قرار للرئيس الروسي بإصدار قانون الزي الموحّد قبل شهر يونيو 2013م، فأصدرت قراراً في شهر مارس من العام الجاري يفرض الزي المدرسي الموحّد في المدارس الحكومية، لكنها أشارت في قانونها إلى تكليف الأقاليم بهذه المهمة لاتخاذ الزي الذي يتناسب مع الحياة العامة في كل إقليم وجمهورية داخل الاتحاد الروسي. وقد تنفس العديدون الصعداء من هذه الصيغة للقانون، على اعتبار أن الجمهوريات المسلمة مثل تتارستان والشيشان والداغستان وغيرها ستمكنها من اتخاذ زي يتوافق والأجواء العامة داخل هذه الجمهوريات، فقد جاء في صحيفة «قفقاز أون لاين» بتاريخ 9/4/2013م أن «في تتارستان ترتفع أصوات عالية بأن يأخذ الزي المدرسي في الاعتبار خصوصية كل إقليم على حدة، بحيث يكون الزي في تتارستان وبشكيرستان وجمهوريات شمال القوقاز يتطابق مع اعتقادات غالبية الشعب ويظهر بينها الحجاب». لكن الواقع أثبت غير ذلك، فقد صرحت «ألصو محمدوفا»، رئيسة قسم العلاقات مع وسائل الإعلام في وزارة التعليم في جمهورية تتارستان، بأن الحجاب «يخالف المعايير الصحية»! وأضافت: «أريد أن أنبه إلى أنه نظراً إلى القواعد الصحية، فإن غطاء الرأس الذي تضعه الصغيرات داخل قاعات الدراسة غير مرخص به، لأنه يعتبر سبباً في أمراض متعددة، ويمكن أن يتسبب في خفض القدرة البصرية»! وأكدت «محمدوفا» أن الوزارة تقوم بتحديد الزي الرسمي بما يتطابق مع المعايير الصحية، ومعنى ذلك أنه لا وجود لغطاء للرأس في عقلية القائمين على الوزارة، ولذلك لم تخفِ «محمدوفا» وجهة نظرها حول هذه القضية بقولها: «من أرادت أن تدرس بغطاء للرأس وأداء الصلاة فعليها بالمدارس الدينية، أما مدارسنا فهي مدارس علمانية»! < هل مظهر الحجاب دخيل على المجتمع الروسي؟ يرى الكثيرون الذين لا يعتقدون أن وراء ما تقوم به السلطة «إسلاموفوبيا»، ومحاولة لإيقاف المد الإسلامي الذي بدأت تظهر بوادره في المدارس الحكومية، بعد أن ظهر في المجتمعات الروسية ككل، بل أن قرار الحكومة الروسية نابع عن عدم فهم لكلمة الحجاب، والخلط بينه وبين النقاب، الذي يتطابق بالفعل مع قول الرئيس الروسي: «إن الحجاب لم تعرفه المجتمعات لدينا، وهو غريب عن مجتمعنا»، أما الحجاب بالمعنى الشرعي أو اللباس القومي فهو موجود منذ عشرات القرون لدى القومية الروسية الأرثوذكسية نفسها، فالملابس التقليدية الروسية، والتقاليد الروسية تشير إلى ذلك بوضوح، ولو أن مسلمة لبست تلك الملابس فلن يتردد أحد من المسلمين في وصف ذلك بالحجاب الشرعي، مع تحفظ صغير جداً في بعض أجزاء البدن. لكن الذي غاب عن الرئيس «بوتين» أن الناس لا يفهمون هذا الاختلاط في المفاهيم، ولا تركز على هذه التفاصيل، بل تأخذ الكلمات الرئاسية بحرفيتها؛ ولذلك جاءت التفسيرات متغايرة، كلٌّ يفسرها حسب ما يراه صحيحاً، ولعل ذلك ما دفع «بوتين» إلى التحذير؛ خوفاً من ردود الفعل غير المحسوبة، بعد أن أعرب عن رفضه السماح بارتداء الحجاب في المدارس، فقال: «يتوجب فعل ذلك بهدوء، في شكل مقبول دون إيذاء مشاعر أحد في الحوار مع الطوائف»، وطالب بضرورة الحفاظ على مبدأ المساواة بين الطوائف الدينية وبين المواطنين، فأردف قائلاً: «يجب التعامل والتعاطي باحترام كبير تجاه المشاعر الدينية للناس». لقد عرفت روسيا عبر تاريخها بالتعايش السلمي بين القوميات والطوائف الدينية، ونـحن نأمل ألا يكون التدخل في الشؤون الشخصية، والتعاطي مع المواد الدستورية التي تتيح للشخص حرية الاعتقاد، أن تجد المسلمة أو الكاثوليكية الملتزمة بأوامر الدين مهضومة الجناح باتخاذ قوانين ظاهرها الحفاظ على العلمانية والتوحيد بين طلاب العلم، وباطنها محاربة كل ما هو مظهر ديني.