موسكو: السلفية بين الحقائق والادعاءات

IMG_8933

IMG_8933

العلامات:

0
29-01-2017


في 26 يناير 2017 عقدت مائدة مستديرة في فندق ريتز – كارلتون بموسكو تحت عنوان " السلفية : الحقائق والادعاءات" نظمها مركز الاعلام والدراسات العربية – الروسية بالاشتراك مع المجلس الاسلامي الروسي. وتولى ادارة الندوة محمد صلاح الدين رئيس المجلس الاسلامي الروسي. وشارك فيها من الجانب الروسي عدد كبير من الباحثين الاسلاميين وممثلو الهيئات الدينية الاسلامية الروسية منهم البير كورجانوف مفتي موسكو والنائب شامل سلطانوف والسفير اندريه باكلانوف ود. الكسندر ايجناتينكو والشيخ شفيق  بشيخاتشيف رئيس البعثة الاسلامية الدولية ود. الكسي مالاشينكو  والشيخ فريد فارسوف ود. نقولاي سوخوف و د. اليكبير اليكبيروف من معهد الاستشراق و ورستم باتروف نائب مفتي تتارستان ، ومن الجانب السعودي  شارك د. ماجد التركي ود. عبدالله العساف وخالد ابا الحسن.

ولدى افتتاح اللقاء اشار محمد صلاح الدينوف الى خطاب امام المسجد الحرام حول الفئات التي تسلب المسلمين عقيدتهم وتغيرها وفق هواها . وقال ان روسيا تكافح الارهاب في كل مكان ، و ان جذور الارهاب تكمن ليس في تعدد المذاهب بل في تصادم المصالح السياسية .

فيما اشار  د. ماجد التركي ان مركز الاعلام والدراست العربية – الروسية وضع هدفا له ايجاد نقاط الالتقاء مع روسيا . واستراتيجية المركز تكمن في البحث عن هذه النقاط ومنها مكافحة الارهاب. لقد استغل الكثيرون موضوع السلفية لتشويه العلاقات بين البلدين وتوتيرها. وفيما يحدث في سورية والعراق نرى تشويه الاعلام لحقيقة الوضع هناك .ويقول الاعلام ان الحشد والقوات العراقية والامريكيين يحاربون الارهاب في العراق. ويؤكد في وسائل الاعلام  ان الطائرات الروسية تقتل المدنيين في حلب . وفي جميع هذه القضايا يجري في الاعلام تصوير الجوانب السلبية فقط. هناك بلبلة في مجال الدعاية. ولدينا في المركز خبراء في الجانب الاعلامي يدرسون هذه القضايا . نحن نتمنى ان تسود في العلاقات السعودية – الروسية نقاط الالتقاء وليست الخلافات.

وأكد السفير اندريه باكلانوف نحن نبحث اليوم ما يمكن عمله بغية ألا  تكون هناك بلبلة في المفاهيم في هذه القضية ، ولو في مجال المصطلحات وتحديد الخصوم وايضاح المواقف. ان السيطرة في المجال الايديولوجي ما زالت بأيدي المتطرفين.وحينما كنت في الرياض زرت المتحف هناك فلم اجد فيه اية وثيقة تشير الى الوهابية. نعم وجد اتفاق بين الامير السعودي والامام محمد بن عبدالوهاب حول التعاون . ولم توجد فكرة الوهابية.  وقال لي وزير الاوقاف آنذاك ان مصطلح الوهابية ابتدعه الاعداء الايديولوجيون في العهد العثماني. والهدف من ذلك التشهير بدعوة الامام الاصلاحية. ان ما ندعوه بالارهاب والتطرف والوهابية اليوم لا ينفع إلا اعداء الاسلام . لايجوز نسب الارهابيين الى فئة دينية ما. ان الذين يحملون السلاح ويرتكبون الجرائم اليوم ينتمون الى من يفسر الاسلام بشكل متطرف. ويلاحظ ان مراكز التطرف توجد في البلدان الغربية ولاسيما في بريطانيا التي توفر الحماية لها.يجب علينا كشف مواقع الارهاب والتطرف في مختلف البلدان. كما يجب تحديد المصطلحات بشكل دقيق بغية ألا تحدث بلبلة في المفاهيم. كما ينبغي ايحاد لغة تفاهم مشتركة مع الجانب السعودي لكي نواصل التعاون.ولابد من التركيز على ان اهداف روسيا هي غير اهداف ايران في المنطقة ولن تسمح روسيا بهيمنة ايرانية في سوريا.

وبدوره  اشار د. عبدالله العساف الى ان مصطلح الوهابية صار منتشرا في الصحافة الغربية ويستخدم بمثابة بعبع  يخيف الناس. وقد اشار الكاتب العراقي عبدالرسول عبدالزهرة في حينه نقلا عن الملك عبدالعزيز رحمه الله مؤسس المملكة في عام 1929 ان الوهابية ليست اتجاها مستقلا في الاسلام وعقيدتنا هي عقيدة الاسلام كما جاء في القرآن والسنة. وبرز المصطلح بشكل قوي بعد احداث 11 سبتمبر وربط بالتطرف.  ولا يخلو اي دين او عقيدة من التطرف وهذا ينطبق ايضا على الشيوعية واللبرالية. والوهابية تعود في الأصل الى عبدالوهاب بن رستم وهو اباظي ولد قبل وقت طويل من وجود محمد بن عبدالوهاب. لكن الاعلام الغربي يطرح بشكل متعمد  او بنتيجة عدم معرفة مصطلح الوهابية ويربطه بالمملكة.  وتستغل المصادر الارهابية مصطلح الوهابية كصنو للارهاب. لقد أثرت احداث 11 سبتمبر في العلاقات السعودية – الامريكية وشملت طيفا واسعا من العلاقات الثنائية. والاعلام الغربي فتح صفحاته لكل من يكتب عن التطرف والارهاب وربطه بالاسلام من دون احترام للقراء . فنشرت صحيفة " نيويورك تايمس " في  عام 2016 مقالة لوزير الخارجية الايراني حول كيفية تخليص العالم من الارهاب ، وذكر فيها الدول التي زعم انها تدعم الارهاب . علما ان الرشاشة بيد الارهابي من صنع امريكي بينما يحمل الجندي الايراني رشاشة امريكية الصنع ايضا. وزعمت  " واشنطن بوست " في مقالة أخرى ان السعودية خلقت وحشا يهدد السلام في العالم. فيما أكدت " نيورك تايمس" ان السعوديين والمتطرفين يشعلون نيران الارهاب. ويؤكد المفكر الياباني  فوكوياما ان الصراع يجري الآن بين الأصولية  الاسلامية والحضارة الغربية ، بعد انتهاء الصراع بين الغرب اللبرالي والشيوعية. وثمة انتقائية في الاعلام الغربي حول ربط الارهاب بالاسلام. والخبراء الغربيون يعرفون ان الارهاب وجد قبل الاسلام.  والوهابي بالنسبة للغرب هو كل مسلم يلتزم بالتعاليم الاسلامية حتى اذا لم يقرأ حرفا واحدا من اعمال محمد بن عبدالوهاب. وهكذا جرى ربط احداث باريس وبروكسل بالوهابية. ان الغرب يجد دوما في عالم الاسلام عدوا لكنه لا يشن الحرب ضد الارهاب بشكل جاد. وقد اخترعت امريكا سابقا شخصيات مثل جمال عبدالناصر المصري في مطلع السبعينيات والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في الثمانينات وصدام حسين في التسعينيات وبن لادن في الالفية الثانية بصفتهم يمثلون الارهاب.

و قال النائب شامل سلطانوف ان من الواجب تحديد مصطلح السلفية كتيار ديني وكأيديولوجية سياسية. والغرب ينظر الى السلفية باعتبارها  تيارا سياسيا. انهم في الغرب يعتبرون السلفية كأيديولجية تحدد العلاقات بين المسلمين. وفي الظرف الحالي اصبحت السلفية فعلا كأديولوجية سياسية . لكن العالم العربي والاسلامي بأتم الحاجة الآن الى الاستقرار السياسي . ولهذا لا تتفق السلفية الآن مع الوضع القائم. وقد تولى الاخوان المسلمون السلطة في مصر عام 2012 وفي الوقت نفسه نشأت حركة سلفية قوية . الا انها فشلت لأنها لا تتفق مع الوضع الفعلي للمجتمع. وفي ايران السلطة الرسمية اسلامية ولكن وفق مفهوم مغاير. في التسعينيات ذكرت هيلاري كلينتون ان السعودية مركز التطرف ودولة سيئة جدا. الآن جاء ترامب الى السلطة وصار يعتمد اتجاها مضادا للاسلام. ولا يعرف فيما اذا ستواصل الولايات المتحدة الخوف من السعودية ، ومن تخاف في العالم الاسلامي. ان بابا روما يدعو الى التفاهم مع (داعش). بينماتقول ميركل : لقد بدأت مرحلة تاريخية جديدة . ان السلفية ضعيفة جدا بحيث ان (داعش) تتغلب عليها وتجذب الشباب اليها. ولابد من القول بان السعودية لا تمتلك قدرات هجومية تتيح لها مقاومة (داعش).  ان السلفية عاجزة عن توحيد الأمة الاسلامية. ويتنامي التطرف في العالم الاسلامي. واذا لم تتوفر الوحدة في العالم الاسلامي على اساس احترام مختلف المذاهب والتيارات لن نتوقع أي خير له.

وأكد الباحث الاسلامي الكسي ما لاشينكو ان من الواجب اولا ان نحدد ما هي السلفية ، ولماذا يجب عليها ان تبرر نفسها. وعندنا في روسيا حين يقال ان الاسلام هو دين السلام لا يصدق ذلك أي احد بسبب وجود الارهاب. وفي عام 1996 قال يفجيني بريماكوف ان السلفية شئ طبيعي ولا خوف منها. ان الكتب حول الاسلام متوفرة لدينا لكن توجد أيضا كتب ضد الاسلام. وهذا يفعل فعله في تشكيل اتجاهات تفكير الانسان. وفيما يخص مصطلح الراديكالي الاسلامي ، فإن كلمة الراديكالي تعني في الاصل التوجه الى التغيير . وهذا شئ طيب في أساسه. اما الكلام عن وجود اسلام تقليدي وآخر غير تقليدي فهو هراء.  ان الحوار والجدل ضروريان لكن بلا شتائم وتكفير. ويدور الحديث عندنا عن تضامن المسلمين ، فكيف يتم ذلك هل بان يفعل المسلمون كما فعل المسيحيون باستحداث منصب البابا او البطريرك. لذد فشلت كافة المحاولات لايجاد مركز اسلامي كمرجع لكافة المسلمين. ان المشاكل في العالم الاسلامي كثيرة ويتطلب حلها فترة زمنية طويلة كما أظهرت ذلك تجارب التاريخ.

بدوره اشار خالد ابا الحسن الى ان الصور الذهنية حول السلفية مختلفة في وسائل الاعلام وكذلك في المؤسسات الرسمية والادبيات وتصريحات المسئولين. ان السلفية وقعت ضحية الموقف الانتقائي منها. فهناك من يستمع الى خطبة شيخ فيقال انه سلفي . وهناك من يدعي الانتماء الى السلفية ويوصف بأنه وهابي. نحن بحاجة الى "جهاد" فكري لتحديث الموقف من جميع هذه الامور. ان ما يجري في العالم الآن هو نتيجة ما تم التحضير له في التسعينيات. ففي عام 1997 كتبت مادلين اولبرايت ان الاحداث في العالم هي بمثابة مسرحية ينبغي ان يلعب العرب دورا كبيرا فيها.لكن الافلام الامريكية تصور السلفية وكأنها الطريق الى الشيطان.  وشيطنة الاسلام جارية في العالم بأسره وصار ينسب كل شئ الى السلفية. السلفية مدرسة دينية ولم يضع مؤسسوها العنف في الاعتبار ، فيجب تصحيح المصطلحات الخاطئة وعدم فرض اللباس الاسلامي على أي احد . ان الاسلام السياسي هو خيار الأفراد . الاسلام لا يفرض على أحد شيئا سوى الفروض الخمس. وحتى في قضايا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يفرض على احد شيئا. انا أؤيد فصل الوهابية عن السياسة. النية الطيبة جمعتنا اليوم.

وقال الباحث الاسلامي يوري ميخايلوف مدير دار لنشر الكتب والدراسات حول الاسلام ان السلطات في روسيا لا تتدخل في الشئون الدينية. لكن المختصين في الشئون الاسلامية لا يجدون المجال الكافي لنشر افكارهم ، وهذا يساعد على انتشار الافكار الراديكالية . ولا توجد في موسكو سفارات اسلامية تدعم نشر الاعمال الجادة حول الاسلام.

ان الوهابية ظاهرة عادية في عالمنا وتحتاج الى دراسة وتحليل وشرح سبب ظهور هذه التسمية. ان المتطرفين كثيرون في العالم ولابد من تحديد لماذا ينسب التطرف الى الوهابية.

وقال فريد فارسوف ممثل جمهورية تتارستان ان جميع السعوديين يعرفون اسم حكيموف المبعوث السوفيتي الذي نقل الى السعوديين افكار العالم الاسلامي فخر الدين  حول العدالة الاجتماعية. يجب طبعا احلال النظام في مجال المصطلحات وعدم لصق التسميات الراديكالية بهذه الفئة او تلك . ويجمعنا نحن المسلمين هدف واحد ولدينا عدو مشترك واحد ويجب ان نوحد صفوفنا.

في الختام قال ماجد التركي لدى التعليق حول مصطلح الوهابية ان العقيدة واحدة منذ ايام النبي ابراهيم. وجميع المسلمين يتمسكون بالفروض الخمس. الاسلام صالح لكل مكان وزمان لأنه يراعي احوال الناس. لكن توجد اجتهادات الفقهاء ونحن نسميها خلافات التنوع.  لذا لا يعتبر نادرا طرح تسمية الاسلام التقليدي وغير التقليدي . نحن في السعودية نعترف بجميع المذاهب الاربعة. والمشيخة الصوفية موجودة في المملكة .وكذلك اتباع الشيعة . الاسلام واحد.

https://www.youtube.com/watch?v=ihwjumeXLwI