روسيا: المسلمون السُلاف بين الهوية والواقع المعاش

news-VBoqMN4YOR

news-VBoqMN4YOR

العلامات:

0
05-11-2013
في بلد يسكن فيه أكثر من مائة قومية, ويعرف بأنه متعدد القوميات فإن الشعور والانتماء القومي له وضعه الخاص, ولا يدفع حديث الرجل عن قوميته إلى الاشمئزاز لدى غالبية الشعب، إلا إذا تعدى الخطوط الحمراء, وكان يدعو إلى التطرف, بل إن الهوية الداخلية تؤكد على الانتماء العرقي, ولا تركز على الديانة كما هو الحال في العديد من الدول، وعليه فليس غريباً أن تسجل مئات الجمعيات ذات التوجه القومي، ويتغنى غير المسلم بقوميته ويتخذها سبيلاً للتباهي, وربما تتخذ ذريعة للتفريق بين أبناء الوطن الواحد، فهو أمر معهود في حياتنا المعاصرة ، أما ما هو غير معهود فهو قيام مجموعة من الشباب المسلم بإنشاء جمعية قومية تعنى بشؤون المسلمين الروس من أصل سلافي "الحركة القومية للمسلمين الروس". وقد ظهر صيت الحركة من جديد في الأيام الأخيرة بعد أن قامت السلطات الروسية في مدينة سانت بطرسبورغ في نهاية شهر أغسطس بإيقاف مجموعة من الشباب ينتمون "للحركة القومية للمسلمين الروس"، وفتحت قضية جنائية ضد رئيس فرع الحركة "ماكسيم بيداكا" بدعوى "تبرير الإرهاب". لماذا الضجة ؟ ربط الإسلام بالقومية في روسيا أمر غير مستهجن تماماً حتى من المسلمين أنفسهم, فالقرآن يؤكد على أن الله خلق الناس شعوباً وقبائل ليتعارفوا بينهم ويتعايشوا، ولذلك يتعايش المسلمون التتار منذ مئات السنين مع الداغستانيين باختلاف قومياتهم والشيشان والقبردين وغيرهم, غالبية الأئمة في روسيا هم من المسلمين التتار, والجمهوريات الإسلامية مقسمة في غالبها على أساسها العرقي، وهو أمر طبيعي في هذه البلاد, وإذا كان الأمر كذلك فلماذا هذه الضجة حول الحركة القومية للمسلمين الروس؟ يقول "فديم سيدوروف" (هارون الروسي) رئيس الحركة, وهو يتحدث عن هدف الجمعية :"إن الهدف الأساسي لحركتنا هو الحفاظ على الهوية القومية للروس السلاف الذين اعتنقوا الإسلام, فنحن المعتنقون للإسلام نريد أن يُنظر إلينا كروس سلاف, وليس كتتار أو داغستانيين أو شيشان أو عرب أو تُرك" ويضيف فاديم:" يجب ألا يتحول المسلمون الروس إلى أشخاص بدون هوية ومحرومون من الافتخار بتاريخ أمتهم ويصبحوا غير عابئين بمستقبل شعبهم". المعلومات غير الرسمية تشير إلى اعتناق ما لا يقل عن 300 ألف روسي الإسلام من أصل سلافي خلال العشرين سنة الماضية، لكنهم يحسبون على القوميات المسلمة المعروفة مثل التتار والشيشان والداغستان والعرب، ولذلك يؤكد فاديم أن الروس اللذين يعتنقون الإسلام أمامهم ثلاثة طرق يسلكونها، فإما أن يذوبوا داخل المجتمع المسلم, وبذلك يفقدوا انتمائهم العرقي كاملاً "فأنا من ناحيتي لا أريد أن أكون تتارياً ولا تركياً ولا عربياً" حسب قوله. الطريق الثاني وهو رفض الهوية القومية بأكملها " فلا هم ينتمون إلى قومية مسلمة بعينها-كما يقول فاديم- ولا يعترفون بانتمائهم العرقي والتاريخي للروس، فيقفون موقفاً غير وطني، وهو موقف محارب لكل ما هو قومي، في حين أن التوازن يمكن تحقيقه في حال كانت الحكمة هي سيدة الموقف ". الطريق الثالث والذي يتبعه فاديم وإخوانه بحسب تصريحاته:"بناء مجتمعنا القومي داخل المجتمع المسلم، بحيث ننظر إلى أنفسنا كعنصر قومي جديد داخل المجتمع المسلم", وهذا بحسب ما يراه فاديم وإخوانه مماثل لما يعيشه المسلمون في الصين وغيرها من الدول، أين يحافظ المسلمون من أصول صينية على تقاليدهم وحضارتهم وثقافتهم وطريقة تفكيرهم؟ ومع ذلك يؤكد رئيس الحركة أن التركيز على القومية لا يجب أن يتحول إلى"عبادة تخرج المسلم من هدفه في الحياة، بل يجب أن يأخذ موضعه الطبيعي الذي لا يهدم الإسلام، فالإسلام لم يكن في يوم ما ضد الحفاظ على الهوية والانتماء العرقي, وهو ما نراه واضحاً في كل المجتمعات المسلمة". الحفاظ على التقاليد وتعتقد الحركة القومية للمسلمين الروس أن الأفضلية في المجتمع هي الحفاظ على الزواج الداخلي بين القومية نفسها، وهو ما يساهم في الحفاظ على التقاليد والثقافة بنفس الطريقة التي نراها بين شعوب الشيشان والتتار، الذين حافظوا على هذا التوجه منذ عقود، مما ساهم في الحفاظ على اللغة والهوية والتقاليد والعادات, ويضيف رئيس الحركة (هارون الروسي) :" إن عدد المسلمين الروس الأصليين يرتفع يوماً بعد يوم، وأقصد بذلك الأطفال اللذين ولدوا من أب وأم روسيين، وسيبنون أسراً مسلمة بنفس الطريقة، وستظهر بعد الجيل الثالث قومية روسية مسلمة خالصة، وسيكون ذلك.. أحب من أحب, وكره من كره. كيف سيسمونهم في المستقبل فهذا أمر ثانوي؟ فالمسلمون في الصين يسمونهم بشعوب "الهان" على الرغم من أنهم ينحدرون من نفس القومية الصينية، وذلك للتفريق بينهم وبين القومية الغير مسلمة" . يذكر أن الحركة القومية للمسلمين الروس، شكلت في عام 2004 على أساس المؤسسات الاجتماعية الروسية المسلمة في مدن "موسكو, وأومسك وألماآتا". وهي منظمة تعمل بنشاط متزايد، ويتزايد عدد أفرادها، كما أنها مرت بجميع مراحل التطور الاجتماعي والسياسي ، وتوحد أفرادها على أساس عرقيتهم الروسية ودينهم الإسلامي. وعلى الرغم من أن دور الحركة في اعتناق الروس السلاف- الإسلام ضعيف، بحسب تصريحات رئيس الحركة، فإن الأعضاء المنتمين إليها هم من اللذين لا يريدون الذوبان ضمن القوميات الأخرى التي تمثل المجتمع المسلم داخل روسيا. و يعتقد المنتمون إلى الحركة أن انتماءهم العرقي سيمكنهم من التحاور المباشر مع الجمعيات السلافية الروسية في المجتمع الروسي ككل، والتعاون في كل ما يهم الوطن والمجتمع بصفة عامة, يذكر أن "فاديم سيدوروف" (هارون الروسي) رئيس الحركة القومية للمسلمين الروس يعيش منذ عام 2009 في إحدى الدول الأوروبية بعد أن تعرض للمضايقات والتهديد من قبل القوميين الروس الأرثوذكس، الذين أرسلوا له عدداً من رسائل التهديد بقتله وأفراد أسرته في حال عدم توقفه عن نشاطه الإسلامي باسم القومية الروسية, وينظر إلى هذه الحركة على أن المنتمين إليها هم من الخونة للديانة الأرثوذكسية وللقومية الروسية ولثقافتها بصفة عامة.