روسيا والتقارب الخليجي

3984

3984

العلامات:

0
08-04-2015

فن قلب الفرص إلى عقبات


ـ مسيرة العلاقات الروسية / الخليجية ، لم تكن يوماً ما في حال جيدة ترقى لمستوى ومكانة روسيا الاتحادية (وريثة الاتحاد السوفيتي)، ولا تتوافق مع مستوى التحديات التي تعيشها المنطقة الخليجية !! ولا يزال السبب حائراً بين الطرفين، فأين تكمن المشكلة في تعثر وتذبذب هذه العلاقات ؟؟!!

ـ بالتأكيد لروسيا علاقات جيدة مع بعض دول الخليج العربية  ( علاقات ثنائية)، وفي الغالب أنها علاقات ذات مسارات عامة، ولكن الأهم هنا والمقلق هو مستوى علاقات روسيا بمجلس التعاون الخليجي (كوحدة وقوة إقليمية،جغرافياً، واقتصادياً وعسكرياً)ومستوى اندماج روسيا في قضايا المنطقة الخليجية بشكل مباشر، بحيث يبرهن عملياً على الإرادة الروسية تجاه المنطقة الخليجية في جانبها العربي.

ـ وهنا يبرز المحور الإيراني، بكل اتجاهاته : ( الملف النووي ـ دعم الحوثيين في اليمن ـ إدارة الصراع داخل سوريا ـ احتلال جنوب العراق وإدارة الشأن العراقي ـ التشويش الطائفي في مناطق تواجد الشيعة في دول مجلس التعاون الخليجي، خلق بؤر صراع مع الاتجاه السني الخليجي "والسعودي على وجه الخصوص" في مناطق المسلمين السنة في روسيا ودول آسيا الوسطى!!!!)، يبرز هذا المحور المتخم بالخلافات الخليجية الإيرانية  ليتقاطع مع علاقات روسيا ودول الخليج العربي، ويحيل فرص التقارب الروسي / الخليجي إلى عقبات ومعوقات.

روسيا شريكة استراتيجية مع إيران، وروسيا داعمة للبرنامج النووي الإيراني " على حساب أمن وسلامة منطقة الخليج العربي " وروسيا منسجمة مع التحركات الإيرانية مع إيران في مجريات الملف السوري وجرائم النظام الحاكم، وروسيا على الأقل متجاهلة للعبث الإيراني في العراق وجنوح إيران لضم الجنوب العراقي في اتحاد كونفدرالي مع إيران، وروسيا متغافلة عن الحضور الإيراني وتوجهاته في العمق الإسلامي السني في روسيا ودول آسيا الوسطى " كعمق استراتيجي روسي" ....... بمعنى أن روسيا مندمجة في كافة تفاصيل الملفات الإيرانية التي تقلق أمن وسلامة واستقرار دول الخليج العربي، هذا أقل ما يمكن أن ما يقال عن روسيا وإيران في وجهة النظر الخليجية، مما خلق مصاعب واقعية أمام أية مسيرة لعلاقات روسية خليجية متعمقة وذات جدوى فعلية.

ـ صحيح يمكن أن يندرج هذا القول بهذا العرض والتفصيل عن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا أيضا في علاقاتهما مع إيران على حسبا كثير من مصالح دول مجلس التعاون الخليجي، وهما شريكان استراتيجيان لدول الخليج العربية.

ولكن الحالة الروسية من وجهة نظري مختلفة من عدة اعتبارات :

ـ الأول: أن روسيا لم تمضفي شراكتها مع دول الخليج العربي كما حصل لأمريكا وبريطانيا من بناء الثقة وتعدد المسارات وتجذرها " سياسيا، اقتصاديا، عسكرياً، تعليمياً، وطبياً، إلى درجة أن بعض المحليين السياسيين الخليجيين " الرسميين أو المستقلين " جندوا أنفسهم للتبرير أو محاولة قراءة متناقضات مواقف أمريكا وبريطانيا في الملفات الإقليمية التي تمس الشأن الخليجي، رغم التحول الاستراتيجي الأمريكي الملموس في الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط!! وهذا عائد لعمق وتجذر العلاقات الخليجية مع كل من أمريكا وبريطانيا، إلى درجة أن الكثير من المتخصصين لا يرون أنفسهم ووعيهم خارج هذا السياق وإن على حساب المصالح القومية لدولهم .

ـ الثاني: أن روسيا الاتحادية " أو روسيا بوتين/ حسب تعبير البعض " استفادت من التوتر السياسي والديني بين الغرب والعالم العربي والإسلامي، نظرا لتداعيات أحداث سبتمبر وما تلاها من أحداث ومتناقضات أمنية وسياسية، فقدمت روسيا نفسها كصديقة للعالمين العربي والإسلامي، متكأه على العمق الإسلامي في داخل روسيا (وجود أكثر من 20 مليون مسلم في روسيا ـ كجزأ من المكون الثقافي والحضاري والديني لروسيا عبر التاريخ)، فهل تشاركت معه في هذا المحور الهام والفاعل ؟؟!!.

ـ الثالث : وهو الشيء غير المفهوم لدي " بكل صراحة ووضوح رغم أني أحسب أنني أفهم الكثير عن روسيا" كيف تدعم روسيا تفاصيل ملفات إيران المقلقة من وجهة نظري ليس للجانب الخليجي فقط، بل لروسيا بشكل أكبر !! لعدة أسباب تتعلق بإيران:

  1. إيران دولة ذات حدود مع 26 دولة أهمها دول تعتبر أساس في العمق الاستراتيجي الروسي " أذربيجان ، جورجيا ، بعض دول آسيا الوسطى" .

  2. إيران دولة ذات طموح وجنوح توسعي استراتيجي " بمفهوم الدولة العظمى استنادا لتاريخ وجغرافية الامبراطورية الفارسية / الساسانية، وبعض مساحات جموحها يقع في مناطق استراتيجية لروسيا (ولا تخرج الحرب الروسية/ الجورجية من أجل أوسيتيا، والأزمة الروسية / الأوكرانية من أجل القرم، عن هذا السياق)!!

  3. إيران دولة عسكرية ثورية تمتلك ترسانة بحرية وصاروخية " تعتبر رقم /11 على مستوى العالم " وتسعى لامتلاك سلاح نووي نوعي ؟؟!! أفلا يمثل هذا تهديداً لروسيا ومناطقها الاستراتيجية ؟؟!!

  4. إيران دولة تقوم على الطائفية الدينية الثورية، وجزء من ميدانها الطائفي يقع في العمق الروسي ذاته، وفي عمق النفوذ الاستراتيجي الروسي ؟؟!!


ـ هذه المعطيات وغيرها كثير، تثير التساؤل ماذا تريد روسيا من إيران ؟؟ بل وماذا تريد روسيا في مسارها الدولي وفق المصالح الخليجية ؟؟

هذا التفصيل في الملف الإيراني/ الروسي، ضروري لفهم وقراءة المعوقات الحقيقية في مسيرة أو مشروع العلاقات الروسية/ الخليجية ، وممكن من خلال هذه المعطيات أن نفهم لماذا علاقات روسيا بالخليج لم تتقدم ولم تأخذ وضعاً طبيعياً .

يمكن أن أضيف لما سبق أن روسيا  "رغم العلاقات الشخصية الجيدة التي كانت تربط بوتين بالملك عبدالله،رحمه الله" أنها لم تَقْدر للمملكة العربية السعودية "ككيان سياسي، اقتصادي، عسكري، وديني "  حق قدرها  ولم تدرك روسيا "عملياً " أن المملكة العربية السعودية هي المحور الرئيسي الذي يمكن أن تستند عليه في علاقاتها الخليجية، بل وحتى في مسار علاقاتها مع العالم الإسلامي " وروسيا تستحضر الدور السعودي في انضمام روسيا لمنظمة التعاون الإسلامي " ، ولعله لم يغب عن الذاكرة الروسية أن تصريحاً واحداً من العاهل السعودي أثناء زيارته لروسيا ( الملك عبدالله حين كان ولياً للعهد، في سبتمبر/2003م) بشأن القضية الشيشانية، أدى إلى إنهاء الصراع الروسي الشيشاني، ومعالجة هذا الملف وفق دستورروسيا الاتحادية ، ومجرد منح رئيس جمهورية تتارستان " وهي ضمن فدرالية روسيا الاتحادية" جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، منح الساحة الإسلامية الروسية وخاصة التتارية شعوراً بأن روسيا صديقة العالم الإسلامي، وأن سياسة روسيا الداخلية تراعى الشأن الإسلامي الروسي ... هذه إشارات يجب أن يفهما التنفيذيون وصنّاع القرار الروسي.... فروسيا على مستوى علاقاتها الخليجية لم تستحضر الدور والتأثير السعودي في هذا الاتجاه .

ـ لو عدنا لخط التماس مع المحور الإيراني، وحساب مفردات المصالح الروسية ، سوف يبرز تساؤل: أي المصالح أعمق وأوسع لروسيا مع إيران ؟ أم مع دول الخليج العربية ؟؟  ويمكن أن ينظر لهذا من عدة زوايا :

  1. الحجم الاقتصادي لدول الخليج العربية أكبر بمراحل من إمكانات إيران الاقتصادية ، وتأثيرهم في السوق العالمية " النفط والغاز " أكبر وأعمق ولاسيما أن روسيا تعتمد بشكل رئيسي على النفط والغاز في اقتصادها القومي.

  2. علاقات دول الخليج مع روسيا آمنة جداً من إشكالية التمدد الطائفي أو الجيوسياسي في روسيا ومناطق نفوذها، خلافاً لإيران مع روسيا !!

  3. علاقات دول الخليج مع روسيا ذات مستقبل ينسجم مع التحول الاستراتيجي الأمريكي في المنطقة باتجاه إيران، بمعنى أن إيران ستصبح محور تصادم روسي/ أمريكي في سياق المصالح بين روسيا وأمريكا، خلافا لمستقبل العلاقات الخليجية.


ـ إن تقليب ملفات العلاقات الروسية/ الخليجية، يجعلك تلحظ أن فرص بناء الثقة في علاقات الطرفين، تحولت إلى عقبات ومعوقات، وكأن روسيا تتعمد تفويتهذه الفرص بل وتقويضها :

أولاً: المشروع النووي الإيراني، ( تقنياً ) في أغلبه روسي وخاصة المحطة الحالية في بوشهر، والمحطتين المرتقبتين، بالإضافة إلى الوقوف السياسي الروسي في مفاوضات (5 + 1 ) إلى الجانب الإيراني، رغم ما يحمله من تفاصيل ومهددات مباشرة لأمن وسلامة منطقة الخليج العربي .

كان بإمكان روسيا أن تتوازن في موقفها في الملف النووي الإيراني، وأن تبقى على تواصل وتنسيق مع دول الخليج العربي بما يضمن طمأنة الخليج العربي تجاه الملف النووي الإيراني، بل وما يمنع روسيا أن تتشارك مع دول الخليج معطيات  فنية وتقنية تضمن للخليج سلامتهم وأمنهم ، وهو حق طبيعي لا مواربة فيه .

ـ ثانياً: ثورة الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد " العلوي الطائفي"  حق شعبي في ظل الطائفية العلوية التي انتهجها النظام، ثم رفض النظام لأية حلول سلمية ، ومنها الحل الخليجي على غرار التسوية في اليمن مع نظام علي عبدالله صالح، لا أحد يفهم تمسك الجانب الروسي بنظام بشار !! ولا أحد يفهم التواطيء مع الجانب الإيراني في دارة الصراع في الداخل السوري، وروسيا تعلم أن هذا خط أحمر للخليج العربي، باعتباره مشروع إيراني توسعي ، وأن أقل نتائج زيادة مساحة الطائفية في سوريا على غرار لبنان.

ـ على المستوى الشخصي، أدرك أن الموقف الأمريكي/البريطاني من الملف السوري، موقف مخادع ومتحول، ولا يعول عليه، وأن أمريكا لم ولن تقوم بأي عمل عسكري ضد النظام السوري " قبل الفيتو الروسي/ الصيني" وبعده ، بل تريد إطالة أمد الصراع في سوريا، لصالح استراتيجيته الجديدة في منطقة الشرق الأوسط ، تحت مفهوم ( الأمن الأمريكي الجديد)، وأنها تعمل على تمكين النظام الإيراني في سوريا من خلال المليشيات الشيعية، وابتداع  " كذبة داعش بحجمها الحالي"  لتكون فزاعة بيد الغرب لإدارة بؤر الصراع في المنطقة، بعد خسارة الغرب لورقة القاعدة بعد مقتل أسامة بن لادن .... كل هذه المعطيات مفهومة لدى الساحة السياسية الخليجية  "على الأقل إن لم أقل العربية أيضاً"  ... ومع هذا كله كان بإمكان روسيا أن تكون أقرب للعرب ولدول الخليج العربية من خلال الملف السوري، كان بإمكانها التفاهم مع الجانب الخليجي وعلى الأقل السعودي قبل استخدام حق النقض الفيتو ضد إحالة الملف السوري لمجلس الأمن، لا زالت الفرصة مواتية للجانب الروسي لتقديم فعل إيجابي في الملف السوري يقرب الموقف الروسي/ الخليجي، ولا سيما أن الملف السوري يتجه لمصلحة أمريكا وشريكتها إيران ، وستبقى روسيا بخيبة الموقف خارج حسابات المستقبل السوري، والمعطيات تشير إلى ذلك ...... فهذه فرصة تقارب ثانية، خليجي/ روسي، تحولت إلى عقبة.

ـ ثالثاً : الملف اليمني، والذي تظل روسيا من خلاله قرينة بإيران، فما علاقة إيران باليمن ( فاليمن دولة عربية سنة، غير حدودية لإيران)، إلا أنها تقع في خط الأطماع التوسعية الإيرانية، بالإضافة إلى أن الموقف الإيراني من اليمن موقف مخجل إلى حد كبير، فهو تأييد ورعاية ودعم لانقلاب عسكري على الشرعية الدولية التي يتمتع بها عبدربه منصور هادي، ونقل اليمن من الاتجاه السلمي إلى الحرب الأهلية والمواجهة الطائفية !!! كان يسع روسيا أن تقف إلى جانب الحق ومصلحة الشعب اليمني، وأن تعي التهديد الذي تواجهه المملكة على حدودها الجنوبية " وهنا نذكٍّر روسيا بموقفها من التهديد على حدودها الجنوبية في اوسيتا مع جورجيا والعمل العسكري الكاسح الذي قامت به في عهد الرئيس ميدفيدف " ، والتهديد الإيراني من خلال الحوثي وفلول صالحن لن يتوقف على الجانب السعودي ، بل يشمل منطقة الخليج، ومستقبل الملاحة البحرية في خليج عدن ومضيق باب المندب، فهل تتوقع روسيا من المملكة ودول الخليج أن تقف وتتفرج على الجنوح الإيراني يصل إلى أراضيها، ولاسيما أن القيادات السياسية والعسكرية الإيرانية لم تتوقف يوما واحد عن التهديد .

ـ كان بوسع روسيا أن تقف موقفاً لا يقل عن الموقف البريطاني أو الفرنسي، او الياباني ..... ولكن روسيا أبت إلا أن تفوت الفرصة الثالثة لخلق مساحة لمستقبل علاقات جادة مع الخليج، ولكنها أضافت عقبة جديدة دون أن يكون لها أية مصلحة في المشهد اليمني، إلا التبعية للموقف الإيراني !!



ـ ثم ماذا بعد ؟؟!! أين تكمن المشكلة ؟؟

ـ هل هي إرادة روسية ترى ميدانها خارج الإطار الخليجي؟؟

ــ أم أن إرادة روسيا مرتهنة بقوى إيرانية فاعلة في المؤسسة السياسية الروسي؟؟



د. ماجد بن عبدالعزيز التركي

ـ رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية ـ الروسية.

[email protected]