روسيا والعالم الإسلامي - على طريق الرؤية الإستراتيجية

news-y52nJ1uEk1

news-y52nJ1uEk1

العلامات:

0
01-11-2013
بنهاية العام/ 2009م ، قطعت روسيا الاتحادية مرحلة هامة في طريق التعاون المشترك مع العالم الإسلامي، ونجحت في تجاوز العقبات الرئيسية في هذا الطريق، حيث تمكنت بشكل استثنائي من الدخول إلى منظمة المؤتمر الإسلامي كعضو مراقب، مع مطالب حثيثة "ومنطقية" لتصبح كاملة العضوية، كما نجحت في تجاوز الآثار السلبية " على المستويين الداخلي والخارجي" لحربها مع الشيشان، وانشغلت في العمل الجاد لإرساء قواعد أساسية في التعاون مع العالم الإسلامي من منطلقات نفعية للطرفين وللجانب الروسي"عمليا" بالدرجة الأولى، ولتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي عملت روسيا على تشكيل فريق متخصص تمت تسميته "فريق إستراتيجية روسيا والعالم الإسلامي" والذي عقد خمس دورات عمل هامة ابتدأت بموسكو، ثم قازان عاصمة جمهورية تتارستان، وانتقلت إلى تركيا، ثم في جده في دورتها الرابعة، والخامسة والأخيرة في دولة الكويت في المدة من:(21ـــ22 ديسمبر 2009م)، على أن تنعقد الدورة السادسة في جمهورية أنقوشيا بناء على طلب رئيسها الذي حضر افتتاح الدورة الخامسة، أو في المملكة المغربية حسب الترتيب المسبق لانعقاد دورات اجتماع هذا الفريق، ويشارك في هذا الفريق ممثلون عن عدد من دول العالم الإسلامي" السعودية، مصر، الكويت، تونس، ليبيا، الباكستان، تركيا" ويغيب عنها ممثلون عن آسيا الوسطى، وفي تقديري أن مشاركة ممثلين عن كازاخستان، وأوزبكستان، وأذربيجان هام وضروري نظرا للعمق الثقافي المشترك مع مسلمي روسيا، وللعلاقة السياسية والاقتصادية المتميزة مع روسيا، وتتأكد أهمية مشاركة جمهورية كازاخستان بالذات لترؤسها لمنظمة الأمن والتعاون الأوربي للعام الحالي/ 2010م، ثم ترؤسها لمنظمة المؤتمر الإسلامي على مستوى وزراء الخارجية للعام/ 2011م، إضافة إلى نشاطها الواسع في مجال الحوار والعلاقات الدولية .

* ومحاكاة للواقع بل ومن مسلمات الأمور فإن أمام مشروع الرؤية الإستراتيجية بين روسيا والعالم الإسلامي مجموعة من المعوقات أو على الأقل المشوشات، منها:
1. ضعف تفاعل الشارع الإسلامي العام مع هذه الشراكة نظرا لتدني معرفة عامة المسلمين بواقع الإسلام وحقيقته في روسيا والذي يمثل مساحته الكبيرة مسلمو جمهوريات الحكم الذاتي الإسلامية، ويستثنى من ذلك جمهورية الشيشان استنادا للحرب الإعلامية التي رافقت القضية الشيشانية، إضافة إلى الاعتقاد بأن الحياة والثقافة الروسية لا تزال تحت مفاهيم الشيوعية، وللأسف فإنه يحمل هذا الفكر عدد من المثقفين وخاصة في المجتمع السعودي، إضافة إلى أنه لدى المجتمع الروسي معلومات مغلوطة عن العالم الإسلامي والمجتمع السعودي على وجه الخصوص والتي أسس لها الإنتاج العلمي السوفييتي القديم والذي تزخر به الساحة الثقافية الروسية في ظل تدني الجهد العلمي البحثي العربي الموجه.
2. العمق الغربي في الداخل الإسلامي " سياسيا وثقافيا واقتصاديا" وما يمثله من منافسه شديدة للتوجه الروسي نحو دول العالم الإسلامي،
3. يقابل ذلك حملات إعلامية غربية مشوهة تجاه قضايا العالم الإسلامي تؤثر بشكل كبير في تكوين الصورة الذهنية عن العالم الإسلامي، والمجتمع الروسي كغيره من المجتمعات الدولية يتأثر بذلك بل قد يستقي بعض قادة رأيه معلوماتهم عن العالم الإسلامي وقضاياه من تلك المصادر الغربية.
4. تدني مستوى المصالح الاقتصادية المشتركة بين دول العالم الإسلامي وروسيا الاتحادية "ويستثنى من ذلك بعض الدول العربية ذات التاريخ الاشتراكي" مما يؤثر سلبا في اتجاه أي من الطرفين تجاه الآخر في ظل التبعات السياسية المترتبة على ذلك، فالمصالح الاقتصادية تعد المحرك الأساسي للتفاعل والشراكة بين الطرفين، ويحتاج تفعيل ذلك إلى تطوير النظم المالية المتبعة ووضع تشريعات مشتركة كممهدات للعمل التجاري المشترك.

• وبالرغم من قوة وتأثير هذه المعوقات التي تواجه مسيرة هذه الشراكة الإستراتيجية، إلا أن هذه الشراكة تستند على محركين هامين وفاعلين :
الأول: ( من الجانب الروسي): العمق الإسلامي في الداخل الروسي باعتبار أن مسلمي روسيا مواطنون أصليون والإسلام جزء رئيسي في التركيبة السكانية الروسية، فالمسلمون يمثلون القومية الدينية الثانية في روسيا بعد المسيحية، إضافة إلى أن الإسلام وطن في روسيا وليس حادث جديد كما هو الحال في أوربا وأمريكا.

الثاني : ( من جانب العالم الإسلامي): أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/2001م، كشفت للعالم الإسلامي الوجه الحقيقي للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومواقفها غير العادلة تجاه الإسلام وقضايا العالم الإسلامي، وواقع الحرب العسكرية التي يقوم بها الغرب تجاه عدد من دول العالم الإسلامي " العراق، أفغانستان، باكستان، وقبل ذلك الصومال) كما خلقت مناطق توتر في دول العالم الإسلامي، مع استهانة ممقوتة بدماء المسلمين حيث القصف العشوائي الجوي الذي أنهك وقتل المدنيين واستثنى من ذلك المعنيين بالمشكلة التي يدعي الغرب ملاحقتها"الإرهاب" ولا تزال حملة الإنهاك الاقتصادي والسياسي والإرباك الثقافي التي يمارسها الغرب ضد دول العالم الإسلامي قائمة وبلا هوادة وليس لدول العالم الإسلامي حيلة أمام ذلك الواقع، بمعنى أن العالم الإسلامي في حاجة لروسيا كدولة قوية وفاعلة وداعمة تجاه الواقع الإسلامي المتردي الذي يقف الغرب وراءه ، فهل روسيا قادرة ومستعدة لهذا؟؟

وبالنظر في المراحل السابقة التي تم تجاوزها في طريق هذه الإستراتيجية، فمن الملاحظ أن الجانب الروسي حقق جزءا مهما من أهدافه من هذه العلاقة الإستراتيجية المنشودة، ومن ذلك :
1. التواصل مع العمق الإسلامي من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي،.
2. رسم صورة إيجابية عن روسيا لدى العالم الإسلامي.
3. تحييد التأثير السلبي الإسلامي الخارجي على العمق الروسي بمحاولة الاعتماد إسلاميا على الذات بالدرجة الأولى.
وفي المقابل فإن الجانب الإسلامي وللأسف لم يحقق مصالحه من هذه الإستراتيجية، بل ولا تزال هناك ضبابية شديدة العتمة لدى الجانب الإسلامي بشأن أهدافهم ومصالحهم عوضا عن سعيهم لتحقيق مرادهم من هذه العلاقة، وهذا عائد إلى أن الجانب الإسلامي ليس وحدة واحدة وليس هناك جهة موحدة تمثله ويتحرك من خلالها، فلكل دولة نظرتها ودرجة اهتمامها بهذه الشراكة، وتظل روسيا المستفيدة الرئيسية من ذلك، والفائدة الإسلامية قائمة وواردة وواقعية لو وعت دول العالم الإسلامي مصالحها التي يمكن أن تحققها من خلال روسيا.

ويمكن لهذه الشراكة أن تؤتي ثمارها إذا بنيت الإستراتيجية على قائمة واضحة من المصالح المشتركة ذات النفع المتبادل بحث يجد كل طرف منافعه لدى الطرف الآخر، هذا من جانب، ومن جانب آخر إذا شارك في رعاية هذه الشراكة وساهم في بناء استراتيجياتها وبرامج عملها أعضاء فاعلون من صنّاع القرار في الطرفين ، ولم تقتصر لقاءات العمل بين الطرفين على مشاركة أصحاب النوايا الطيبة فقط، فلابد أن يكون وراء النوايا الطيبة أدوات وقوى فاعلة لتنفيذها، ويمكن البحث في إيجاد رابط عملي يشد وثاق هذه العلاقة ويرعى مسيرتها التفاعلية وبخاصة من الجانب الإسلامي "متعدد الأطراف"، أما الجانب الروسي فهو يحتاج أن يثبت للعالم الإسلامي أنه قادر وفاعل في تحقيق أهداف هذه الشراكة المنشودة، وحتى أكون أكثر واقعية فإنه على دول العالم الإسلامي ومنظماته الدولية " منظمة المؤتمر الإسلامي، البنك الإسلامي للتنمية، رابطة العالم الإسلامي، والأمانة العامة لمؤتمر وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية بدول العالم الإسلامي" العمل على إقحام روسيا بشكل جدي في تفاصيل الشأن الإسلامي العام ودفع روسيا لأن تكون في واجهة قضايا العالم الإسلامي أمام المجتمع الدولي، وأن تستفيد من الحضور الدولي الروسي متعدد الاتجاهات، فالفضاء الروسي في علاقته بالعالم الإسلامي أوسع من مجرد التعاون في المجال الإسلامي، وقد يدعم ذلك أن تعمل منظمة المؤتمر الإسلامي على تطوير علاقتها مع روسيا بتعيين أمين عام مساعد خاص بالشأن الروسي، وأن يكون مقر عمل الأمين العام المساعد في مكتب إقليمي للمنظمة في موسكو يغطي باهتماماته كافة الفضاء الجغرافي السوفييتي السابق. وبالله التوفيق,,

د.ماجد بن عبدالعزيز التركي
باحث في الشؤون الروسية ــ الرياض