مسلمو روسيا.. وقوانين الإرهاب الفكري

مسلمو روسيا.. وقوانين الإرهاب الفكري

مسلمو روسيا.. وقوانين الإرهاب الفكري

العلامات:

0
05-11-2013
مسلمو روسيا.. وقوانين الإرهاب الفكري
موسكو: د. أحمد عبدالله
تعيش روسيا منذ سنوات حالة من الانفصام بين ما هو معلن في الدستور من حقوق عامة تتعلق بحرية الحصول على المعلومة وحرية التعبير، وبين الواقع المعاش المتأثر بما يسمى بقوانين الإرهاب، وما يتعلق بها من حواجز فكرية وحركية. وقد شُغل الرأي العام الروسي بتحركات تقوم بها النيابة العامة من جهة، والمحاكم المغمورة في مدن لا يسمع بها أحد، في رفع قضايا ضد دور نشر إسلامية وغير إسلامية، ومنع كتب تُتهم بحمل أفكار «إرهابية» بين جنباتها، وتنتهي القضية بوضع هذه الكتب في قائمة سميت بـ«الكتب المحظورة الداعية إلى التطرف والإرهاب»، وتُمنع رسمياً من النشر، وليت الأمر يقف عند ذلك، بل يتم مصادرتها من قبل أجهزة الأمن في حال وجدت في مكتبة أحدهم. القائمة تطول وتزداد طولاً بين اليوم والليلة، والقضية ليست وليدة اليوم، فقد شغلت الرأي العام لعدة سنوات، المسلمون والجمعيات والمؤسسات الإسلامية هم – كالعادة – الأكثر تضرراً من هذه الأحكام؛ ذلك أن معظم الممنوعات في القائمة هي كتب إسلامية، وأصبحت عبارة «وتم احتجاز كتب محظورة وذات طابع وهابي» هي الأكثر شيوعاً في وسائل الإعلام الرسمية، والبيانات الصادرة من أجهزة حفظ الأمن والنيابة العامة. كماشة المتربصين ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصلت الحال بالبعض ممن يسمون أنفسهم بالمتخصصين في الدين الإسلامي، بالزج ببعض الآيات القرآنية واعتبارها داعية للإرهاب، مع العلم أن هؤلاء «الخبراء» غالبيتهم ممن تربوا في زمن الحكم الشيوعي على الإلحاد، وغالبية من كتب تقريراً عن هذه الإصدارات ليس مستشرقاً – إذا اعتبرنا أن المستشرقين يدرسون شيئاً عن الأديان – بل منهم أساتذة تاريخ وجغرافيا وقانون.. إلخ. المجتمع المسلم ودور النشر على وجه الخصوص وجدوا أنفسهم بين كماشة المتربصين بكل ما ينشر عن الدين الإسلامي وسيف القضاء المصلت، فالمبالغ المالية التي تصرف لتجهيز الكتاب للطبع من ترجمة ومراجعة وكتابة وغيرها، قد تذهب بين عشية وضحاها في خبر كان، في حين يقفون عاجزين على إيقاف هذه «المهزلة» المتكررة، لقد أصبح المجتمع المسلم على وجه الخصوص يعيش نوعاً من الحجر على عقله، حيث سلط عليهم «خبراء» لا يفقهون في الدين شيئاً يحجرون عليهم قراءة هذا الكتاب ويسمحون لهم بقراءة ذاك، وليت القضية توقفت عند الكتب الفكرية، بل وصلت الحال إلى كتب أدعية مثل كتاب «حصن المسلم»، وبعض كتب الحديث النبوي مثل «رياض الصالحين»، ولا يفهم المسلم عن أي شيء يعتمد هؤلاء «المختصون» ليقرروا أن أدعية يومية يستعملها المسلم في حياته الخاصة، تدعو في طيات معانيها إلى الإرهاب والتطرف الديني. محكمة ضد القرآن في حادثة فريدة من نوعها، وأمام محكمة في جمهورية بشكيرستان المسلمة، رفعت قضية في شهر مارس من العام الجاري حول مقال نشر في شبكة الإنترنت تحت عنوان «آخر زمان»، يتحدث فيه الكاتب عن الساعة وما يتعلق بها من أحداث، اعتبرته الخبيرة في قسم البحث الجنائي في المختبر الجنائي التابع لوزارة العدل البشكيرية أنه مقال متطرف بما في ذلك الآيات الخمسة من القرآن الكريم التي ذكرت ضمن المادة المنشورة! القضية أثارت ردود أفعال غاضبة من قبل المجتمع المسلم؛ وهو ما دعا المحكمة العليا لدى نظرها في الاستئناف المقدم أمامها بالإبقاء على الحكم الأول الصادر بشأن المقال، مع حذف الآيات القرآنية التي شملها الحكم الأول. ويذكرني هذا بحالة شبيهة في كازاخستان، حيث صدر قرار من المحكمة العليا باعتبار خمس سور قرآنية «راديكالية» وداعية إلى التطرف، لكن المحكمة ذاتها ألغت الحكم الصادر عنها بعد موجة من الاحتجاجات من القائمين على الشأن الإسلامي في الجمهورية! بعض دور النشر قاومت ووقفت بصلابة ضد قرارات محاكم مغمورة وضعت كتبها في القائمة «سيئة الذكر»، فالمسألة طالت كل ما ينشر عن الإسلام لمؤلفين عظام معروفين على الساحة الإسلامية والعالمية، فقد قامت دار النشر «سوزال» التركية برفع قضية أمام أحد محاكم محافظة كراسنيارسك (وسط منطقة سيبيريا الشرقية)، وتمكن من إيقاف حكم سابق لنفس المحكمة بحظر كتاب الشيخ سعيد النورسي «طريق السُّنة»، واعتبار محتواه داعياً للتطرف، مثل هذه المحاكمات تعتبر فردية مقارنة بعدد الكتب التي تم منعها ووصلت إلى أكثر من 700 كتاب ومادة منشورة. الهيئات الدينية تقف جميع الهيئات الدينية الرسمية وغير الرسمية ضد هذه التصرفات وهذه الأحكام، لكنها في الوقت نفسه تجد نفسها عاجزة عن إيقاف هذه الحركة وغير قادرة على إيقاف قرار جميع المحاكم، فقد عبر الشيخ «راوي عين الدين»، رئيس مجلس المفتين في روسيا، عن استيائه من تواصل ما أسماه بـ«مهرجان منع الكتب الدينية» لعدة سنوات في محاكم مغمورة، ويلعب في ذلك، حسب قوله، من يسمون بالخبراء الذين عرفوا بعلاقتهم المتحيزة ضد الإسلام مع فقدانهم للأهلية العلمية للقيام بمثل هذا العمل. وبالرغم من أن وزارة العدل أنشأت في عام 2009م مجلساً للخبراء للنظر في الكتب المعروضة أمام المحاكم، فإن هذا المجلس، بحسب «عين الدين»، أثبت عدم أهليته؛ نظراً إلى أن العاملين فيه ليس فقط لا يحبون الإسلام بل ليس لهم حتى مجرد احترام له، بالإضافة إلى أنه اختير دون التشاور مع الإدارات الدينية صاحبة الشأن في مثل هذه القضايا، ومع ذلك يعتبر رئيس مجلس المفتين بأن حلاً سياسياً وبيد إدارة رئيس الجمهورية التي تعكف على دراسة الموضوع يجب تطبيقه؛ لما له من أثر سلبي على المجتمع المسلم بأكمله. ويشير البعض إلى أن واحداً من الأسباب المهمة في تطاول البعض على الكتب الدينية عدم وجود وحدة حقيقية في الوقوف ضد هذه الظاهرة من قبل الإدارات الدينية، التي تستطيع بموقف صارم دفع السلطة السياسية للتعامل بجدية مع موضوع يمس مشاعر 20 مليون مسلم، وعدم المساس بمقدسات المسلمين خاصة القرآن والسُّنة. * باحث في الشؤون الإسلامية في دولة الاتحاد السوفييتي السابق