رغم رمزيته التاريخية.. عامان على هدم «مسجد موسكو القديم» ولم يتم البناء

الشيخ راوي

الشيخ راوي

العلامات:

0
07-01-2014


لايزال الحزن يغمر قلب كل مؤمن وهو يستذكر صورة المسجد الشامخ بين الأبنية الحديثة بجدرانه الخضراء «مسجد موسكو القديم»، تعبق حوائطه والمساحات المجاورة له بعبق التاريخ والذكريات الجميلة والأحداث الجسام التي مرت في تلك الربوع وبين جنبات مسجد كان في يوم ما معلماً تاريخياً، وصورة ناصعة البياض تحدثك عن صالح أرزين رجل الأعمال التتري الشهير، الذي كان يقطن مدينة موسكو، وكان السبب في ظهور ذلك المسجد عام 1904م.

صمد المسجد وبقي شامخاً أمام الغطرسة الشيوعية، وظل الأذان يصدح فيه لقرن من الزمن، متخطياً حاجز الخوف والرعب الذي نشرته وكالة المخابرات السوفييتية، لكن الأمر تغير في 11 سبتمبر عام 2011م يوم صدر قرار بهدمه هدماً كاملاً، فطمست الذكريات وتناثر في السماء عبق التاريخ العريق لتلامس أرواح من سجدوا فيه وسكنوا ومروا ذات يوم من هناك. ادعاءات واهية في يوم الحادي عشر من سبتمبر 2011م بدأ الهدم، وأصيب الناس بصدمة وهم يشاهدون الجرافات تفتك بجدرانه فجعلتها خبراً بعد عين..

قال هادموه: إنه كمبنى لا يتوافق مع مواصفات التقنية الهندسية، وذكروا أنه قابل للسقوط في أي لحظة؛ لأنه بني على قاعدة غير حجرية، بالرغم من أن مظهره لا يدل على ذلك، فقد تم ترميمه عند احتفال المسلمين بمرور 100عام على إنشائه أي قبل ست سنوات من هدمه.

المشكلة التي لا يزال الكثيرون يتألمون منها إلى اليوم، هو أن عملية الهدم جرت بسرعة البرق، ولم تترك فرصة للمعترضين لإيقاف العملية، والمسألة الثانية هي التباطؤ الواضح في بناء المسجد الجديد مكانه، فبالرغم من بدء عملية البناء في الأراضي المجاورة لأرض المسجد القديم منذ سنوات فإن بناءه لم يكتمل بعد، كان الاتفاق أن يكون المبنى التاريخي الذي تم هدمه فيما بعد جزءًا لا يتجزأ من المسجد الجديد، ومع ذلك لم يكتمل البناء إلى اليوم ولا يزال المسلمون يصلون الصلوات في المساحة الضيقة المتبقية وفي العراء حتى في أقسى الظروف الطبيعية في الشتاء.

معلم ثمين يقول غايار إسكندر رئيس لجنة المبادرة: «لقد خسرت موسكو واحداً من معالمها الثمينة جداً، وهو المسجد الجامع في شارع السلام، الذي وقف شامخاً لمدة 107 سنوات، طيلة هذه السنوات كان يقدم للناس خدمات جليلة ولم يغلق أبداً حتى في عصر الثورة البلشفية والحرب العالمية وفترة الإلحاد البغيضة، ليس من الممكن تقييم التأثير الإيجابي على التاريخ الوطني والعالمي للأحداث التي جرت بين جدران هذا المسجد، وخاصة في الفترة التي بقي فيها المسجد الوحيد في المنطقة الأوروبية لروسيا، كما أن عدداً كبيراً من الرؤساء والزعماء العرب دخلوا وصلوا فيه وتواصلوا مع المسلمين آنذاك» عملية الهدم اعتبرتها حينها مؤسسة «أرخنادزور» المهتمة بالمحافظة على المباني التاريخية بأنها «بربرية»، حيث ذكر لوسائل الاعلام الناطق الرسمي باسم المؤسسة قسطنطين ميخايلوف: «إن ما تم القيام به في 11 سبتمبر يثير لدي الريبة، ففي مثل هذه الحالات عندما تكون المباني القديمة تعيق البناء الجديد يقوم أصحابها بهدمها ثم يعلنون على أنها سقطت من تلقاء نفسها» البعض الآخر اعتبر عملية الهدم في يوم 11 سبتمبر مصيبة حلت بالمسلمين كتلك التي حصلت في نفس التاريخ في أمريكا منذ 12 عاماً، بل ذهب عدد من المفتين ورؤساء بعض الإدارات الدينية إلى الإعلان عن عدم موافقتهم على موافقة رئيس مجلس المفتين الموالي للحكومة على الهدم وتقدموا بشكوى أمام أعلى السلطات الروسية للتحقيق فيما إذا كان هدم معلم تاريخي صحيحاً، وكان من المفترض المحافظة عليه كمكسب للأجيال القادمة. واعتبروا أن كل الحجج التي تحدث عنها المفتي راوي عين الدين ليست مقنعة تماماً كحديثه عن تشابه المسجد بكنيس اليهود وعدم تطابق القبلة للوجهة نحو مكة وتحولها بنحو 7 درجات، فالاتجاه نحو مكة يمكن تصحيحه بالانحناء وتغيير توجه الصف داخل المسجد دون العمل على هدم المسجد بأكمله.

هدم تاريخ أما محمد صلاح الدينوف رئيس المجلس الإسلامي الروسي فقد تحدث في الشأن بقوله: «إن هذا الأمر مؤسف ليس فقط للمسلمين في موسكو، ولكن لعامة المسلمين في روسيا. إن المسجد يمثل تاريخ الإسلام في العاصمة الروسية وقد مرت فيه أحداث تاريخية مهمة وكبيرة. إن هدمه يعني هدم ذلك التاريخ العريق. وكما يقولون: من ليس له تاريخ ليس له مستقبل». ويضيف صلاح الدينوف: «أعتقد أن من هدم المسجد يبحث عن مصالحه الشخصية، فلو كانوا يهتمون بتاريخ الإسلام والمسلمين في هذه المدينة لبني مسجد آخر في مكان آخر وتم الحفاظ على هذا المعلم التاريخي للأجيال القادمة، خاصة أن الشيخ راوي أتيحت له فرص كثيرة للحصول على أراض في أماكن أخرى من موسكو ولكنه لم يفعل شيئاً. سوبيانين: موسكو ليست بحاجة لمساجد أخرى مع هذه الذكرى وبعد أن تم انتخاب «سيرجي سوبيانين» لفترة جديدة كرئيس لبلدية موسكو، صرح أن العاصمة لا تتطلب بناء عدد كبير من المساجد، «وليس مطلوباً بناء مساجد إضافية بأعداد كبيرة»، جاء ذلك في كلمته التي ألقاها في اجتماع لنادي النقاش الدولي «فالداي». وعلى وجه الخصوص، كان المشاركون مهتمين بمسألة الهجرة و بناء المساجد في العاصمة. ووفقاً له، فإن معظم زوار مساجد العاصمة هم من القادمين الجدد؛ أي من المهاجرين المسلمين من آسيا الوسطى، أما سكان موسكو فهم بحدود 20-25% فقط. هكذا يرى العمدة هذه الأعداد الغفيرة من سكان موسكو والمهاجرين العاملين فيها بأنهم لا يستحقون أماكن للعبادة، تأويهم وتدفع عنهم البرد في أيام الشتاء القارس، حيث يفترش المصلون الكراتين وغيرها ليتمكنوا من السجود عليها بعد أن تغطي الثلوج كل شوارع العاصمة.

وكانت لجنة التخطيط الحضري و الأراضي في موسكو قررت التخلي عن بناء المركز الإسلامي الإنساني مع مسجد تابع له في منطقة «ميتينا» على اعتبار أن هناك عدداً كبيراً من الشكاوى من السكان المحليين. وقد دعا «سيرجي سوبيانين» مراراً إلى الحاجة لمنع الهجرة غير الشرعية إلى موسكو، وأن بعض الناس يعتقدون أن المهاجرين يقومون بالجزء الأكبر من جرائم القتل التي ارتكبت في العاصمة. ومع ذلك فقد قدم المدير العام لوزارة الشؤون الداخلية في موسكو «أناتولي ياكونين» بيانات أخرى مغايرة. ووفقاً له، فإن 20% فقط من الجرائم التي ارتكبت في موسكو هي بمشاركة من الأجانب ( بمن فيهم المهاجرون )؛ أما 80% المتبقية من جميع الجرائم التي ارتكبت من القادمين الجدد لموسكو تقع على المواطنين الروس أنفسهم.

موسكو: د.أحمد عبدالله – باحث في الشؤون الإسلامية في دول الاتحاد السوفيتي السابق.