طبول النهاية تُقرع على عتبات المشروع الصهيوني

جنازة الطفلة ليلى الخطيب

جنازة الطفلة ليلى الخطيب

العلامات:

0
29-01-2025

مقالة رأي

سردار ياريكوف – كاتب يهودي مناهض للصهيونية

بالأمس أردت رصاصة قناص إسرائيلي الطفلة الفلسطينية ذات الربيعين، ليلى الخطيب، في قرية عربية بالضفة الغربية. وواهم من ظن أن قناصا يرمي عبثا أوتضل رصاصته الهدف، فقاموس القناصة لا يعرف الأخطاء، إنما هي مهام يتم إعدادها بعناية بعد دقيق اختيار، وذلك القناص الإسرائيلي كان واعيا تماما بما يفعله.

بلى! يجب أن تهبط إلى أدنى دركات الدناءة لتوجه رصاصة الغدر إلى رأس طفل. ليس ذاك فحسب، بل أعتقد أن هذا الوغد لم يرو غلّه بقتل الطفلة فقط، فوجّه رصاصة ثانية إلى والدة الفتاة الحامل ليصيبها بجروح خطيرة.

حدث هذا يوم 27 يناير/كانون الثاني، و"إسرائيل" تحيي ذكرى الكارثة التي حلت بيهود أوروبا. أهي مصادفة؟ ليس هذا سؤالنا الأهم الآن. فإن كان القناص الإسرائيلي الذي أودى بحياة طفلة فلسطينية وأصاب والدتها الحامل هو – لا شك – منحط ونازي، فإننا نتساءل، من أمره بهذا الفعل الآثم؟ أجرؤ على افتراض أن الأمر لم يأت من رقيب، أو قائد فصيلة، أو قائد سرية، أو حتى قائد كتيبة، وإنما هو على الأرجح أمر من الأعلى، لأن عصابة المجرمين النازيين بقيادة نتنياهو تسعى جاهدة لخرق وقف إطلاق النار وفتح فصل جديد من الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، غير مكتفية بفظائع صنيعها في غزة، ولا أراهم إلا آملين في استفزاز الفلسطينيين ودفعهم للثورة على غرار ما فعلوا في بداية الانتفاضة الأولى، ثم فتح حمام دم على أراضي الضفة الغربية المحتلة بذريعة مكافحة الإرهاب. وما هذه الاستفزازات بالتحديد، كقتل الأطفال والنساء الحوامل، إلا استثارة لردود فعل الفلسطينيين، ومن ثم ارتكاب مذبحة دموية ضدهم، وكم أتمنى أن تنتهي مخططات المجرمين النازيين نتنياهو وبن غفير وسموتريتش بالإحباط.

فالفلسطينيون الآن أحوج ما يكونون إلى الاستعداد للمعركة القادمة، وتجاوز تناقضات المرحلة التي تتجلى في أمرين: فمن ناحية تأخذ الجميع نشوة الانتصار على "إسرائيل" في أعظم معارك عصرنا، ذاك النصر الذي تحقق لقاء ثمن باهظ. ولكن مقابل ذلك فإن المعركة قد كشفت أن حماس ومِن خلفها محور المقاومة، مع ما في جعبتهما من صواريخ قادرة على ضرب أي نقطة في "إسرائيل"، لا يمتلكان أي دفاعات جوية، فضلا عن أن محور المقاومة لا يمتلك أي قنابل خارقة للتحصينات قادرة على إلحاق أضرار نوعية بالعدو. إن محور المقاومة يذكّرنا بمصارع أتقن كيل اللكمات لخصمه دون أن يمتلك أدنى مهارات الصد عن نفسه. وعلاوة على ذلك، فإن سلسلة الاغتيالات التي طالت قادة المقاومة في إيران ولبنان وغزة تشير إلى أن إسرائيل ورعاتها في الغرب قد حققوا – من خلال زرع عملاء لهم – اختراقا لأعلى مستويات هرم محور المقاومة. قد لا يكون الأمر كذلك، ولكن لا ينبغي بحال استثناء هذه الفرضية.

من زاوية أخرى، يمتلك الفلسطينيون أسلحة تفوق فاعليتها كل الصواريخ، وليس من باب العبث ما تسعى "إسرائيل" إليه بإجراءاتها العقابية ضد غزة من إفناء ما أمكن من الأطفال، فهؤلاء الأطفال الفلسطينيون هم أسوأ كوابيس الصهاينة، وبقدر ازدياد عدد مواليد العائلات الفلسطينية تتضاءل فرص استمرارية المشروع الصهيوني، فإذا وضع الفلسطينيون نصب أعينهم هدفاً يتمثل في مساواة يهود "إسرائيل" عددا، فإن من اليسير عليهم تحقيقه. ومن الأجدر هنا أن نبدأ بالقدس الشرقية التي ضمتها "إسرائيل"، حيث يقطنها نحو 300 ألف فلسطيني حُرموا الجنسية الإسرائيلية، فإذا طالب بها هؤلاء غداً، وضحوا بالمبادئ لصالح بلوغ نتائج ملموسة، فإن كفة المبزان الديموغرافي قد تنقلب لصالح العرب من فورها.

أما هذا التهافت المشهود في "إسرائيل" فلم يأت من فراغ.. إنهم هناك يشعرون بدنو نهايتهم، وليست نهاية المشروع الصهيوني مرتبطة بحماس أو حزب الله أو إيران أو الحوثيين بقدر ارتباطها بتركيا. قد يبدو هذا الأمر غير وارد اليوم، لكن تمعَّن في سوريا والوقت الذي استغرقه وكلاء تركيا لتطهيرها من الأسد وحلفائه، وقارن بين الشخصيتين البارزتين، مصطفى كمال و طيب رجب أردوغان: فترات تاريخية مختلفة، وظروف متباينة، لكنهما رجلا دولة يجمعهما الهدف نفسه – إحياء الإمبراطورية العثمانية، لا كمَلَكية اليوم، بل كزعامة للعالم الإسلامي كله. ولا مناص لنا من أن نشيد بالزعيم التركي الحالي، فهو يبلي في الأمر بلاء حسنا. نعم، يضع يده اليوم في أيدي الأمريكان و"إسرائيل"، لكنه لن يحتاج أياً منهما غدا، ناهيك عن أننا قد نشهد قريباً سقوط نظام السيسي في مصر تحت وطأة ضربات وكلاء تركيا، على غرار ما حدث في سوريا، ودون أي دور للولايات المتحدة أو "إسرائيل" هذه المرة، والتساؤل الأبرز هنا: ما الذي قد يمنع أردوغان أو خليفته من إعلان دولتهما ضامنة لحرمة المسجد الأقصى وسائر فلسطين؟ ومن ثَمّ إن توصلت إيران وتركيا إلى اتفاق بينهما بوساطة الصين أو روسيا أو كلتيهما (ومثل هذا حدث في التاريخ)، فإن المشروع الصهيوني سرعان ما سيؤول إلى العدم حتى وإن وقفت وراءه الولايات المتحدة بقضها وقضيضها.

تعليقات() النسخة المطبوعة

اضف تعليق