في أحد شواطئ مدينة سيدني الأسترالية، وخلال احتفال علني بعيد «حانوكا» نظمته الجالية اليهودية، وقعت حادثة عنف خطيرة عندما نفّذ مسلحان هجومًا استهدف المشاركين. الهجوم، الذي وُصف لاحقًا بعمل إرهابي، كاد أن يتحول إلى مأساة واسعة لولا تدخل حاسم وغير متوقّع من شخص لم يكن جزءًا من أي جهاز أمني رسمي.
المنقذ لم يكن شرطيًا ولا جنديًا، بل مهاجرًا عربيا مسلمًا يُدعى أحمد الأحمد، يعمل في متجر محلي لبيع الخضار والفواكه في المنطقة.
فعل إنساني في لحظة حاسمة
بحسب شهادات متطابقة ومقاطع مصوّرة جرى تداولها لاحقًا، اندفع أحمد الأحمد نحو المهاجم من الخلف، وتمكّن من انتزاع سلاحه رغم عدم امتلاكه أي تدريب أمني أو خبرة قتالية. وخلال الاشتباك أُصيب بجروح بالغة في يده وقدمه، نُقل على إثرها إلى المستشفى. إلا أن تدخله السريع أسهم في الحد من عدد الضحايا، وأنقذ حياة عدد كبير من المدنيين.
تكمن أهمية هذا الفعل، ليس فقط في نتائجه المباشرة، بل في رمزيته العميقة. فقد جاء في سياق عام يتعرّض فيه المسلم، في كثير من الخطابات الإعلامية والسياسية الغربية، إلى اختزال نمطي يربطه بالعنف أو التهديد الأمني. في هذه الواقعة، انقلب هذا التصور رأسًا على عقب: مسلم يعرّض حياته للخطر من أجل إنقاذ يهود من هجوم إرهابي.
ارتباك في التناول الإعلامي
طريقة تعامل بعض وسائل الإعلام الغربية وكذلك الروسية مع الحادثة كشفت عن تردد ملحوظ في إبراز هوية المنقذ. فرغم الإشادة بالفعل البطولي من حيث المبدأ، جرى في مراحل أولى، في بعض التغطيات، تقديمه على نحو ملتبس أو دون تدقيق كافٍ في خلفيته، مع الاكتفاء بتوصيفه على أنه «مواطن شجاع». ولم يجر الاعتراف الكامل بهذه الخلفية إلا لاحقًا، بعد أن باتت الحقائق معروفة ومتداولة.
يعكس هذا التردد، في جانب منه، صعوبة إدماج نموذج كهذا ضمن سرديات إعلامية اعتادت التعامل مع المسلم بوصفه موضوعًا للمساءلة، لا فاعلًا إيجابيًا في المجال العام. فحضور نموذج إنساني كهذا يفرض إعادة نظر في أنماط تفسير سادت طويلًا.
محاولات التوظيف السياسي
بالتوازي مع ذلك، ظهرت محاولات لتوظيف الحادثة سياسيًا، سواء عبر ربطها بخطابات عامة حول تصاعد معاداة السامية، أو استخدامها في سياقات جدلية تتجاوز الواقعة نفسها. غير أن هذا التوظيف غالبًا ما تجاهل المفارقة المركزية في الحدث: أن الشخص الذي أنقذ المحتفلين عربي مسلم، وهو ما لا ينسجم كثيرًا مع خطابات تضع دينه، في كثير من الأحيان، في موقع الشبهة أو الاتهام.
دلالات أوسع من الحدث
تقدّم هذه الحادثة عدة دلالات جديرة بالتأمل:
قوة الفعل الفردي: مبادرة عفوية من شخص عادي كانت كفيلة بتقويض صورة نمطية راسخة، أكثر مما تفعل حملات إعلامية طويلة.
الفصل بين الدين والعنف: تؤكد الواقعة أن العنف لا يمكن نسبته إلى الدين، فالأديان تضع أطرًا أخلاقية عامة، غير أن أفعال الأفراد تصدر عن قراراتهم الذاتية وتأويلاتهم الخاصة، ولا تعكس بالضرورة حقيقة الدين الذي ينتسبون إليه
مركزية الموقف الأخلاقي: إدانة استهداف المدنيين، بغض النظر عن هويتهم، تظل معيارًا إنسانيًا جامعًا، وتُفقد الخطابات المتطرفة قدرتها على الاحتكار الأخلاقي. وقد شهدنا في هذه الواقعة سيلًا واسعًا من الإدانات الرسمية، لم نشهد مثيله في حالات أخرى لاستهداف المدنيين، ومن ذلك، على سبيل المثال، ما يجري في غزة، حيث لم تحظَ عمليات القتل الواسعة للمدنيين بالمستوى ذاته من الإدانة الدولية.
حين تتكلم الأفعال
رغم الخسائر المؤلمة التي خلفها الهجوم، تبقى شجاعة أحمد الأحمد نقطة مضيئة في مشهد عالمي مثقل بالاستقطاب والتوتر. فهي تذكير بأن الإنسان، في لحظة الاختبار، قادر على تجاوز الهويات الضيقة، واختيار الفعل الصحيح لذاته، بعيدًا عن الحسابات السياسية، في عالم يسود فيه الضجيج الإعلامي المؤدلج.
الأفعال الإنسانية الصادقة أبلغ من أي خطاب، وهي قادرة على إعادة طرح السؤال الجوهري: من هو العدو الحقيقي؟
IslamNews.Ru وكالة الأنباء
تسجيل الدخول ب: