حادث سيدني بين الإدانة وازدواجية المعايير

Герой Австралии Ахмад Аль-Ахмад

Герой Австралии Ахмад Аль-Ахмад

العلامات:

0
19-12-2025

لا شكّ أن كل مسلم صادق مع ربّه، واعٍ بحقائق دينه الحنيف، يقف ضدّ كل أشكال الإرهاب، أيًّا كان مصدره وأيًّا كانت الجهة التي تقف وراءه. وليس عبثًا أن يكون المسلمون، قبل غيرهم، من يرفعون الصوت بأن الإرهاب لا دين له ولا عِرق، وأنه ظاهرة إجرامية يجب على العالم بأسره أن يتكاتف لمواجهتها والبحث عن حلول واقعية ومنطقية للحدّ من انتشارها.

ما وقع في سيدني خلال الأيام الماضية كان عملاً إجراميًا مرفوضًا وغير منطقي، ولا يمكن لمسلم — فضلًا عن غيره — أن يبرّره أو يقف خلفه. قد يحاول البعض ربط ما جرى بصور المجازر المروّعة التي ظلّ العالم يشاهدها في غزة على مدى عامين كاملين دون أن يحرّك ساكنًا، وقد يسعى آخرون إلى تقديم تفسيرات من هنا أو هناك. غير أن العجيب في الأمر ليس التنديد بالحادث، بل الطريقة الانتقائية التي يتعامل بها العالم مع مثل هذه الوقائع، وفق منطق الازدواجية الصارخة.

فبمجرّد وقوع الحادث، سارعت عواصم العالم إلى الإدانة، وطالبت بمحاكمة المسؤولين عنه، وتسابقت البيانات الرسمية في استنكار العنف والتعبير عن التضامن.

الإدانات الدولية… وازدواجية المعايير

توالت الإدانات الدولية والعربية للهجوم الذي وقع على شاطئ بوندي في مدينة سيدني الأسترالية، وأسفر عن سقوط ضحايا وجرحى. وأعرب قادة دول ومسؤولون ومنظمات إقليمية ودولية عن صدمتهم واستنكارهم الشديد، مؤكدين تضامنهم مع أستراليا وشعبها، ومع أسر الضحايا، ورفضهم للعنف والكراهية.

وسارع المسلمون، سواء في روسيا خلال مؤتمراتهم، أو في أستراليا نفسها، إلى التنديد بالهجوم، شأنهم شأن كثيرين غيرهم. غير أن المفارقة المؤلمة أن غالبية هذه الأصوات التزمت الصمت — أو اكتفت ببيانات باهتة — عندما كان الجيش الإسرائيلي يقتل الأطفال والنساء والشيوخ، ويقصف الرضّع، ويهدم المستشفيات والمدارس ومراكز إيواء المدنيين الفارّين من ويلات الحرب في غزة.

قلّة قليلة فقط من القيادات الدولية سارعت إلى الإدانة هناك. وفي هذا السياق، تبرز تصريحات الرئيس الأمريكي مثالاً صارخًا على هذا التناقض؛ إذ وصف هجوم سيدني بأنه «مروّع»، بينما وقف في الكنيست الإسرائيلي معلنًا: «لدينا أسلحة لم يحلم بها أحد، وكثير من هذه الأسلحة قدّمناها لإسرائيل، وأنتم أحسنتم استخدامها». وكأنّه لم يخطر بباله أن هذا الكلام يُمجّد قتل أكثر من خمسين ألف فلسطيني، من بينهم أكثر من عشرين ألف طفل، بتلك الأسلحة نفسها.

نتنياهو وتوظيف الحادث سياسيًا

في أستراليا، تعاملت السلطات مع ما جرى باعتباره جريمة مدانة تستوجب التحقيق والمساءلة. وصدرت إدانات دينية ومجتمعية واسعة شدّدت على ضرورة حماية النسيج الاجتماعي، ورفض تحميل أي جماعة دينية أو موقف سياسي مسؤولية أفعال فردية، خصوصًا في ظل حساسية المشهد المرتبط بالحرب المستمرة على غزة.

في المقابل، اختارت الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسها رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، مسارًا مختلفًا. فقد سعت إلى توصيف الحادث باعتباره هجومًا معاديًا للسامية، ومحاولة توسيع دلالاته لربط أي عنف يقع خارج حدودها بخطاب معاداة اليهود عالميًا.

حاول نتنياهو استثمار الحادث سياسيًا، عبر ربطه بالاحتجاجات المناهضة للحرب على غزة، وتصويره كتهديد أمني لليهود في الغرب. كما سعى إلى استدرار التعاطف تحت شعار «المظلومية اليهودية»، في وقت شهدت فيه أستراليا مواقف رسمية غير منسجمة مع السياسات الإسرائيلية، من بينها الاعتراف بدولة فلسطين، والسماح بتنظيم تظاهرات واسعة دعمًا لغزة. ولا يُنسى أن أستراليا شهدت إحدى أكبر التظاهرات العالمية المندّدة بالحرب الإسرائيلية والانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها بحق سكان القطاع.

انقلاب السحر على الساحر

في خطابه الأول أمام الصحافة، تحدّث نتنياهو عن «رجل يهودي شجاع» تصدّى لأحد منفّذي الهجوم وانتزع سلاحه. غير أن تفاصيل التحقيق أربكت هذه الرواية، إذ تبيّن أن الشخص الذي حاول إحباط الهجوم كان رجلًا سوريًا مسلمًا، ونال إشادة واسعة داخل المجتمع الأسترالي، لكن نتنياهو توقف لسانه عن إرسال كلمة شكر للرجل، لأنه لم يحقق له مراده في نشر فكرته عن الرجل اليهودي الشجاع.

هذا التفصيل الإنساني البسيط، لكنه العميق الدلالة، كشف هشاشة السرديات الجاهزة، وقلّص من قدرة إسرائيل على تقديم الحادث كدليل على تصاعد العداء الديني، وأعاد تسليط الضوء على خطورة التعميم والتوظيف السياسي.

ورغم تراجع نتنياهو لاحقًا عن توصيفه الأولي، فإن الخطاب الإسرائيلي — كما يرى محللون — واصل تجاهل هذه الحقيقة، مفضّلًا التركيز على ما يخدم هدف الضغط السياسي على الحكومات الغربية.

لكن مراقبين كُثر يرون أن إسرائيل لم تنجح في ذلك، بعدما وسّعت مفهوم «معاداة السامية» إلى حدّ بات يشمل أي نقد لسياساتها أو اعتراض على حربها في غزة، الأمر الذي أدّى إلى تآكل تأثير هذا المصطلح في الرأي العام الغربي، بعد أن فقد جزءًا كبيرًا من قدرته على ردع الانتقادات أو إثارة الخوف السياسي الذي راهنت عليه تل أبيب طويلًا.

غزة تستغيث… ونتنياهو المسؤول

لا تزال إسرائيل تنتهك القانون الدولي، ولم تلتزم بالاتفاقات التي جرى التوصل إليها بجهود أمريكية وعربية ودولية. وقد صرّح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بأن إسرائيل ترتكب انتهاكات يومية، وتخرق الاتفاقات الموقّعة، وتواصل قصف المناطق الشرقية من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.

وحذّر فيدان من مخطط إسرائيلي يهدف إلى تفريغ قطاع غزة من سكانه الفلسطينيين، مؤكدًا أن السبيل الوحيد لمنع ذلك هو نشر قوة دولية تضمن أمن الطرفين وتُرسّخ حالة من الهدوء. كما شدّد على أن الإبادة التي تُمارس بحق الشعب الفلسطيني ستظل وصمة سوداء في تاريخ الإنسانية، لكنها في الوقت ذاته أسهمت في إيقاظ وعي عالمي متنامٍ.

وفي السياق ذاته، أعلنت منظمة العفو الدولية أن الأمطار الغزيرة تسببت في دمار واسع داخل قطاع غزة، وأدّت إلى فيضانات أغرقت آلاف الخيام والملاجئ المؤقتة.

وفي مشهد مأساوي هزّ منصات التواصل الاجتماعي، ظهر طفل فلسطيني من غزة وقد غرقت خيمته التي تأويه مع أسرته، بينما حاصرهم الماء واقتلعتهم الرياح، ليطلق صرخة موجعة للعالم الصامت:

«غرقنا يا الله… أين الناس؟ أين الأمة؟»

إنّ كل هذه المآسي التي يعيشها قطاع غزة اليوم تتحمّل مسؤوليتها حكومة بنيامين نتنياهو، التي لا تزال تعيق وصول المساعدات الإنسانية، من غذاء ودواء وخيام، وهي ذاتها الحكومة التي ترفع اليوم شعار «مظلومية اليهود» في حادثة لاقت إدانة دولية، لا لأن الضحايا كانوا يهودًا، بل لأنهم مدنيون أبرياء، فالأصل — في ميزان الإسلام — أن دماء الناس وأموالهم وحياتهم مصونة، وهو الدين ذاته الذي يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي تشويهه واتهامه زورًا بأنه دين عنف وإرهاب.

Автор: رياض مصطفى

تعليقات() النسخة المطبوعة

اضف تعليق