مسجد «إيسكر» أمام القضاء الروسي: جدل قانوني وسؤال الهوية في سيبيريا

Фото: Историко-мемориальный комплекс «Искер» | ВКонтакте

Фото: Историко-мемориальный комплекс «Искер» | ВКонтакте

العلامات:

0
29-12-2025

محاولة إقصاء ديني وهدم معالم إسلامية في سيبيريا: قضية مسجد ومجمع «إيسكر» أمام القضاء الروسي

تتشكّل في سيبيريا الغربية، وتحديدًا في مقاطعة تيومين ومدينة توبولسك، واحدة من أكثر القضايا حساسية وتعقيدًا على المستويين الديني والثقافي في روسيا المعاصرة. بعدما تقدّمت إدارة مقاطعة توبولسك بدعوى قضائية أمام محكمة التحكيم في مقاطعة تيومين، تطالب فيها بهدم مسجد يحمل اسم الخان كوتشوم، إلى جانب ستة منشآت أخرى قائمة ضمن المجمع التاريخي لتتار سيبيريا المعروف باسم «إيسكر». ومن المقرّر عقد الجلسة القضائية في الرابع والعشرين من يناير القادم، وفي حال استجابت المحكمة لهذا الطلب، فإن ذلك يعني عمليًا تصفية المجمع التاريخي برمّته من الوجود.

لكن هذه القضية، التي تغلف شكليًا بوصفها نزاعًا إداريًا، مرتبطًا بمخالفات بناء وتشغيل منشآت، تتجاوز في جوهرها حدود القانون والإجراءات، لتلامس أسئلة أعمق تتعلق بالذاكرة، والهوية، ومكانة الإسلام والتراث التتاري في الفضاء السيبيري الروسي.

كوتشوم خان لم يغب؛ لا يزال طيفه يقضّ مضاجعهم، ولا يزال إرثه حيًّا نابضًا في عزيمة أحفاده وروح التحدي التي ورثوها عنه. ذلك الحاكم المقاوم الذي أبى الاستسلام، وخلّد التاريخ كلماته، كما نقلها الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، ظلّ رمزًا للعزة والكرامة في الذاكرة التتارية. وقد كُتب كثيرًا عن كفاحه وكفاح أبنائه، وخلّدته الأشعار الشعبية وحكايات الجدات المتوارثة، وعن تتار سيبيريا الذين أثبتوا، عبر الزمن، أنهم أمناء حقًا على تقاليدهم وذاكرتهم وتاريخهم.

لم يحتمل بعض المتعصبين والقوميين أن يُكرَّم تتار سيبيريا ذكرى الخان ودولته التي منحت الأرض اسمها، ولم يصبروا على مشروع تشييد تمثال لزوجته الملكة سوزغه؛ فاختفى النصب في ظروف غامضة، وتعرّض المجمع الثقافي ذاته لمحاولات متكررة لمحو رمزيته، عبر حملات إعلامية استهدفت الموقع الذي يمثّل قلب التاريخ التتاري وعاصمة خانية سيبيريا.

تقع «إيسكر» على مسافة تسعة عشر كيلومترًا من مدينة توبولسك، ضمن الحدود التاريخية لعاصمة خانية سيبيريا حتى نهاية القرن السادس عشر. ويُعرف الموقع اليوم باسم «موقع كوتشوموفو الأثري»، وهو مكان يحظى باهتمام وتقدير كبيرين لدى التتار، ليس فقط لكونه مهد الدولة التتارية السيبيرية، بل لأنه يمثّل نقطة تشكّل ثقافتهم وهويتهم وعقيدتهم.

وفي هذا الموضع تحديدًا تلتقي جذور عدد كبير من الشعوب التركية، كما أن الاسم الثاني لإيسكر، وهو «سيبير»، هو الذي منح سيبيريا اسمها المعروف حتى اليوم.

وبحسب الرواية الرسمية، فإن اللجوء إلى القضاء بطلب تصفية المجمع يعود إلى مخالفات تتعلّق بمعايير البناء وتشغيل المنشآت. غير أن هذه المبررات لا تبدو، في نظر كثيرين، كافية لتفسير حجم الإجراء المتّخذ، لا سيما أن الحديث يدور عن موقع مصنّف كمعلم أثري ذي أهمية شعبية وقومية، وعن تراث تتاري متجذّر في هذه المنطقة منذ قرون.

وفي هذا السياق، أكّد رئيس اللجنة التنفيذية للمؤتمر العالمي للتتار، دينيس شاكيـروف، أن هناك محاولات جارية لمعالجة المسألة والتوصل إلى تسوية، في وقت توجّه فيه مراسلون من قناة تلفزيونية في تتارستان إلى الموقع لينقلوا ميدانيًا تفاصيل القضية.

ويُعدّ موقع إيسكر الأثري، من أقدم المراكز الحضارية في المنطقة، إذ تشير المعطيات الأثرية إلى أنه مأهول منذ الألفية الثانية قبل الميلاد، حيث عاش فيه أسلاف التتار السيبيريين المعاصرين. والمفارقة المؤلمة، وفق متابعين، أن أحفاد هؤلاء السكان يواجهون اليوم، في القرن الحادي والعشرين، سلسلة متواصلة من العراقيل والضغوط المتجددة، تذكر بما عاناه أسلافهم في الماضي.

الموقع محصّن بطبقتين أثريتين، ويضم لقى تعود إلى الفترة الممتدة من القرن الثاني عشر حتى القرن السادس عشر. وفي إحدى مراحله التاريخية، كان مركزًا تجاريًا نشطًا، يرتبط بآسيا الوسطى وأوروبا، ما يجعله جزءًا من التاريخ التتاري والروسي في آن واحد. وفيه عُثر على صفيحة معدنية من درع القائد القوزاقي يرماك، الذي احتل قشلاق عاصمة كوتشوم ولقي حتفه على يديه لاحقًا. ويقال إنّ الدرع كان قد أُهدي له من قبل إيفان الرهيب.

وهنا، تحديدًا في عهد الخان كوتشوم، تبنت خانية سيبيريا الإسلام على مستوى الدولة رسميًا.

الناشطة لويزا شامسوتدينوفا المشرفة على المجمع الأثري ترى أن القيمة التاريخية لهذا المجمع لا يمكن التقليل من قدرها، معتبرة أن عهد الخان كوتشوم مثّل ذروة ازدهار خانية سيبيريا، ولولاه، بحسب تعبيرها، لما بقي التتار السيبيريون اليوم شعبًا واعيًا بتاريخه وثقافته، مؤكدة أن ما يجري اليوم لا يطال موقعًا محليًا فحسب، بل تاريخًا يشكّل جزءًا من هوية الوطن بأسره.

وأضافت أن المنظمة التتارية الإقليمية العامة «التراث» تولت قبل نحو عشرين عامًا، مهمة الحفاظ على هذه القطعة من الأرض وتطويرها.

Автор: علي ابو عصام

تعليقات() النسخة المطبوعة

اضف تعليق