حول السياسة الروسية تجاه الشرق الأوسط

العلامات:

0
31-07-2025

في خضم التطورات الدولية والإقليمية الراهنة والمُرتبطة بتصاعد المواجهة الروسية الغربية من ناحية، ومن ناحية أخرى ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من أحداث دراماتيكية تتعلق بالإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد في ديسمبر 2024، بالإضافة لاندلاع المواجهات العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران في 13 يونيو 2025، إلى جانب مواصلة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة الفلسطيني لعامها الثاني، تشهد السياسات الروسية تجاه منطقة الشرق الأوسط عملية إعادة تعريف، قوامها محاولة روسيا تحقيق مصالحها الوطنية، والوقوف على مسافة مُحددة من التطورات في المنطقة، دون الانخراط فيها بشكل مباشر.

يمكن تلخيص الاتجاهات الرئيسية للسياسة الروسية تجاه الشرق الأوسط والأبعاد المُرتبطة بها، في نقاط على النحو الآتي:

1. صداقة روسية إيرانية رغم الخلافات: تُصنف العلاقة بين روسيا وإيران بأنها علاقة صداقة؛ إذ يرتبط البلدان بمعاهدة شراكة، تم توقيعها خلال استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نظيره الإيراني مسعود بزشكيان، في موسكو، في يناير 2025.

كما أسهمت روسيا، منذ التسعينيات، في بناء البرنامج النووي الإيراني، من خلال إنشاء وإدارة مفاعل بوشهر، الذي يمثل أهم مصدر للطاقة الكهربائية في إيران.

وشكّلت المواجهة الروسية الغربية في أوكرانيا انعطافة مُهمَّة في العلاقات بين موسكو وطهران، من خلال تزويد الأخيرة للأولى وفق بعض المصادر بالمُسيَّرات، لا سيما من طراز شاهد- 136، ومُهاجر- 6، إلى جانب الصواريخ البالستية، التي أسهمت في تعزيز الجهود الروسية في القتال في أوكرانيا.

ورغم الصداقة بين روسيا وإيران؛ فإن موسكو ليست مُتحمسة لأن تصبح إيران، دولة نووية، لما لذلك من تداعيات على التوازنات في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، والتي تعتبرها روسيا مناطق نفوذ تقليدية لها.

ثمّة ملفات خلافية بين الجانبين، ومنها على سبيل المثال، التنافس في أسواق النفط، والتنافس على النفوذ في القوقاز وآسيا الوسطى.

كما نظرت طهران باستياء لما اعتبرته بعض المصادر تخلياً روسياً في مواجهة الحرب الإسرائيلية الأمريكية ضدها، والتي بدأت يوم 13 يونيو 2025، بسبب انشغال روسيا في المعارك في الدونباس، وعدم رغبة موسكو في مزيد من استثارة الغرب وإسرائيل ضدها.

2. العلاقة بين روسيا وإسرائيل: تتسم العلاقة بين روسيا وإسرائيل بقدر من الثبات مع شيئ من التقلب بتراوح بين الصعود والفتور النسبي، فبعد المواجهة مع الغرب في أوكرانيا، اعتبرت روسيا أن إسرائيل تدعم أوكرانيا بجانب الغرب؛ (ثبت أن إسرائبل زودت أوكرانيا بمعدات وأسلحة من بينها منظومة دفاع جوي) وهو ما أدى إلى فتور نسبي في العلاقات بين الجانبين، إلا أن الطرفيْن واصلت تنسيق علاقتهما بشأن العديد من ملفات منطقة الشرق الأوسط؛ أبرزها الملف السوري، في عهد الرئيس بشار الأسد، تحت ذريعة تفادي الاحتكاكات العسكرية.

تحسنت العلاقات مجددا عقب فوز ترامب، ومساعي موسكو لتوظيف العلاقة بين نتنياهو وترامب كقناة خلفية للتواصل مع واشنطن. هذا ما يتببن من تصريح فلاديمير بوتين : "إسرائيل دولة خاصة، لأن جزءًا كبيرًا من سكانها يتحدث الروسية، وهم أشخاص تربطهم بنا علاقات ثقافية وتاريخية."

في الملف الفلسطيني: تحرص روسيا على الحفاظ على موقف رسمي ثابت تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، من حيث الشكل هي تدعم حل الدولتين وتُندد بالاستيطان، لكنها تتعامل مع إسرائيل كشريك مميز في المجالات الأمنية والاقتصادية. خلال حرب الإبادة على غزة (2024-2025)، قدمت موسكو مساعدات شكلية مباشرة لسكان غزة، بعضها عبر وكالات الأمم المتحدة، فيما تجنبت اتخاذ مواقف عدائية واضحة ضد إسرائيل، بسبب قناعة مترسخة لدى صناع القرار في روسيا بقدرات فائقة لتل أبيب في تنظيم قنوات اتصال خلفية مع الغرب.

3. روسيا ودول الخليج العربي: تتميز العلاقات بين روسيا ودول الخليج العربي بأنها علاقة قائمة على المصالح المتبادلة، بالأخص الإمارات والسعودية، وقد أضفت المواجهة في أوكرانيا، بُعداً مُهمّاً في العلاقات؛ إذ اتخذت دول الخليج موقفاً مُتوازناً في هذه المواجهة. وأجرى قادة خليجيون زيارات إلى موسكو، في خضم القتال، واستقبلوا قادة ومسؤولين من روسيا، أجروا وساطات تبادل أسرى وأطفال، ورفضت دول الخليج الموافقة على قرارات أممية كانت تهدف إلى إدانة روسيا وتوقيع عقوبات ضدها على خلفية المواجهة في أوكرانيا.

تغيرت طبيعة العلاقات مع الأمارات بعد العقوبات الغربية على روسيا، حيث أضحت دبي الموئل المالي الرئيس للشركات الروسية، في تهربها من العقوبات، مما منح الإمارات نفوذا أكبر في علاقاتها مع روسيا. كما وشهدت العلاقات الروسية السعودية تنسيقا واضحا في عدد من المجالات وبالأخص في أسعار النفط.

الإمارات انضمت إلى مجموعة البريكس وهناك مساعي لانضمام السعودية كذلك.

4. العلاقة الروسية-التركية: علاقة هشة وتنافس استراتيجي: تتميز العلاقات بين روسيا وتركيا بمزيج من التعاون والتنافس، حيث تتعاون الدولتان في بعض الملفات رغم اختلاف مصالحهما الجيوسياسية. وتُعد هذه العلاقة أحد أهم محددات السياسة الروسية في الشرق الأوسط، ويمكن تلخيص ملامحها كالتالي:

- تعاون اقتصادي: شهدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين نموًا ملحوظًا، خاصة في مجالات الطاقة (مثل مشروع "تيورك ستريم" لنقل الغاز الروسي إلى تركيا) والتجارة والاستثمارات المتبادلة. إلا أن ذلك تراجع مؤخرا بسبب التهديدات الأمريكية والضغوط الغربية، والطموحات التركية.

- خلافات استراتيجية:

- أوكرانيا: تدعم تركيا أوكرانيا عسكريًا (بالمسيرات "بايراكتار" وناقلات الجند، وبناء عدد من السفن لصالح أوكرانيا)، وتقيم معها علاقات اقتصادية متنامية، لكنها تمتنع عن فرض عقوبات مباشرة على روسيا، وتقدم نفسها كوسيط.

- القوقاز: تتنافس الدولتان على النفوذ في أذربيجان وأرمينيا، خاصة بعد حرب ناغورنو كاراباخ (2020 و2023)، حيث تحاول تركيا ضم القوقاز إلى مجال نفوذها، وإضعاف مواقع روسيا في المنطقة، وفي هذا الإطار شهدت العلاقات الروسية مع أذربيجان، توترا ملحوظا مع دور واضح في ذلك لتركيا وإسرائيل.

- الناتو: تعتبر موسكو أن تركيا، عضو أصيل في الناتو رغم مشاكستها أحيانا، وتدرك تماما أن أنقرة لن تقطع علاقاتها مع الحلف بأي شكل من الأشكال.

الملف السوري: مثّلت الإطاحة بنظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد بمشاركة تركية وبتنسيق مع المخابرات البريطانية، ضربة كبيرة لنفوذ روسيا، ومكانتها في المنطقة؛ وأصبح هدف موسكو في روسيا الحفاظ على القاعدتيْن في حميم وطرطوس.

بوساطة إماراتية هناك محاولات لإقامة صلات مع النظام الجديد الذي هو في طور التشكل، في سوريا.

5. العلاقات مع مصر: تقتصر حاليا على التعاون في مجال الطاقة (مثل المفاعل النووي في الضبعة) والأسلحة، وكذلك بعض التنسيق في ليبيا، حيث تقيم كل من روسيا ومصر علاقات مع "خليفة حفتر" حيث تحاول مصر تحقيق استقرار على حدودها الغربية، فيما يُعد الملف الليبي جزءًا من استراتيجية موسكو في شمال إفريقيا، ونقطة ارتكاز لمد علاقاتها مع القبائل المحلية في الوسط الإفريقي.

6. الملف العراقي: تحاول روسيا تعزيز وجودها في العراق عبر شركات الطاقة والتعاون الأمني، لكن جهودها لا ترقى إلى منافسة النفوذ الأمريكي – الغربي، ولا حتى لمستوى النفوذ التركي الإيراني في العراق. كما أن علاقاتها مع المكون الكردي في العراق غير مستقرة.

خلاصة: يمكن القول إن روسيا، باعتبارها قوة مؤثرة على المسرح الدولي، تتبنى في الشرق الأوسط سياسات براغماتية مرنة، تقوم على رعاية مصالحها الوطنية عبر علاقات ديناميكية متغيرة مع أطراف إقليمية متعددة.

ومع إعادة تشكل خرائط النفوذ في الشرق الأوسط بعد سقوط نظام الأسد والحرب في غزة، وتصاعد المواجهات الإسرائيلية-الإيرانية، تسعى موسكو للحفاظ على تواجدها في الشرق الأوسط، مع تجنب الانزلاق إلى أي صراعات مباشرة، في ظل انشغالها بالمواجهة في أوكرانيا ومواصلة المواجهة مع الغرب.

بقلم علي ابو عصام
محلل السياسي

تعليقات() النسخة المطبوعة

اضف تعليق