تشكّل المرحلة الأولى من اتفاق إنهاء الحرب إنجازًا وطنيًا بامتياز، فهي ليست مجرد وثيقة لوقف إطلاق النار، بل ثمرة صمودٍ أسطوريٍّ لشعبٍ واجه حرب إبادة وتطهيرًا ممنهجًا، وخرج منها مرفوع الرأس بإرادةٍ لم تنكسر.
لقد حوّل أبناء غزة الركام إلى عنوانٍ للحياة، وسجّلوا في التاريخ فصلًا جديدًا من ملحمة الإرادة الفلسطينية التي قاومت الموت بالجوع والنار.
رسالة العودة والبقاء
في قلب هذه الملحمة برزت عودة النازحين إلى ديارهم، رغم أنقاضها، كأقوى رسالة للعالم: أن هذا الشعب لا يُهزم ولا يُقتلع.
كانت العودة فعل تحدٍّ لا عفوية فيه، أكدت أن التهجير القسري يُقابَل بإصرارٍ طوعيٍّ على البقاء، وأن إرادة الفلسطيني ما زالت أقوى من كل خرائط الإلغاء.
معادلة المقاومة وفشل الاحتلال
على مدى عامين من الحرب، فرضت فصائل المقاومة معادلة ردع غير مسبوقة، وأجبرت الاحتلال على الاعتراف – ضمنيًا – بعجزه عن تحقيق أهدافه:
فلم ينجح في كسر شوكة المقاومة، ولا في القضاء على حماس، ولا في تهجير السكان، ولا في إعادة احتلال القطاع.
لقد خرجت إسرائيل من الحرب وهي تواجه فشلًا سياسيًا وعسكريًا وأخلاقيًا يعيد فتح الأسئلة حول حدود قوتها وقدرتها على تحقيق الردع.
الأسرى.. العنوان الإنساني المتجدد
يشكّل الإفراج عن دفعة من الأسرى خطوة رمزية في مسار طويل نحو الحرية الكاملة.
ورغم رفض الاحتلال إطلاق سراح بعض الرموز والقيادات، يبقى ملف الأسرى شاهدًا على عمق المأساة وامتداد النضال، وواحدًا من أكثر القضايا التصاقًا بضمير الفلسطينيين والعرب على حدٍّ سواء.
التحولات الإقليمية والدعم المتواصل
أكدت المواقف الشعبية العربية والإسلامية أن فلسطين لا تزال القضية المركزية للأمة.
أما على المستوى الميداني، فقد شكّل حضور جبهات الإسناد في اليمن ولبنان وإيران عامل ضغطٍ فعليٍّ على الاحتلال، ورسّخ مفهوم الترابط بين جبهات المقاومة.
في المقابل، أسهمت الوساطات التي قادتها مصر وقطر وتركيا في تهيئة الظروف للتوصل إلى الاتفاق، ومن المنتظر أن يتواصل دورها في ضمان تنفيذه ومنع التفاف الاحتلال على بنوده.
الحراك الدولي والضمير الإنساني
أعاد الحراك التضامني العالمي الزخم للقضية الفلسطينية، وأثبت أن العدالة لا تموت وإن تأخّر حضورها.
فالتظاهرات المليونية، وحملات المقاطعة، والمطالبات بمحاكمة مجرمي الحرب، كشفت أن الصورة باتت أوضح من أي وقت مضى: هناك محتلّ يرتكب الجرائم، وهناك شعب يقاتل دفاعًا عن حقّه في الحياة والحرية.
ما بعد الحرب.. معركة البناء
تفتح المرحلة المقبلة صفحة جديدة عنوانها إعادة الإعمار وترميم المجتمع.
فالمعركة لم تعد بالسلاح وحده، بل بالبقاء والإعمار والتكافل، وبإعادة بناء الإنسان الفلسطيني نفسيًا واقتصاديًا بعد واحدة من أقسى الحروب التي عرفها القرن.
إنها لحظة الوعي والمسؤولية، وليست لحظة انتظارٍ أو تفرّق.
لا يمثل هذا الاتفاق نهاية الحرب، بل بداية مرحلة جديدة من النضال.
فحق المقاومة ما زال قائمًا ما دام الاحتلال قائمًا، والقدس ستبقى البوصلة مهما تغيّر المشهد.
لقد أثبت الفلسطينيون أن الهزيمة ليست قدرًا، وأن من كتب بدمه ملحمة الصمود قادر على كتابة الفصل الأخير من رواية الحرية.
علي ابو عصام
خطة ترامب أم خطة إسرائيل للاستسلام؟
غموض المقترح الأمريكي ومخاوف فلسطينية من استمرار الحرب في غزة
IslamNews.Ru وكالة الأنباء
تسجيل الدخول ب: