في عام 1992، زرت قيرغيزستان برفقة نخبة من كبار الدعاة من الكويت – رحم الله من رحل منهم – وتوجهنا إلى قرية “فوستوتشنايا -٢” القريبة من بيشكيك. هذه القرية، التي يقطنها مهاجرون من داغستان نزحوا إليها إبان الحكم السوفييتي، كانت محطتنا للقاء رجل استثنائي: الشيخ إلياس حاجي الأقوشي.
كان الشيخ إلياس عالمًا جليلًا عاصر أواخر عهد القياصرة وبدايات الحكم السوفييتي. تحمل في شبابه ويلات القمع والتعسف، ونُفي إلى سيبيريا حيث عانى مرارة معسكرات العمل القسري. هناك، شاهد بأم عينيه جموع الناس تتساقط تحت وطأة البرد القارس والجوع والإنهاك. لكن تلك المحن لم تفت في عضده ولم تكسر إرادته.
بعد إطلاق سراحه، واصل الشيخ دعوته في الخفاء، يزرع بذور الإيمان بتؤدة وصبر في قلوب الناشئة، مؤكدًا أن “مع العسر يسرًا” ويبث اليقين بغد قادم يعز فيه الذين وأن الأيام دول.
تحت ظل الشيخ إلياس، أصبحت قرية فوستوتشني ٢ في قيرغيزستان حيث اضطرّ للانتقال اثناء الحرب العظمى مركزًا روحيًا يجمع أهل داغستان المهاجرين، وبعض المسلمين المحليين من الدونغان والأيغور من مسلمي الصين، ومعهم عدد من المسلمين المحليين من قيرغيز وقازاخ، حيث كان يعلّم الناشئة ويربيهم على الإيمان والصبر.
عاش الشيخ إلياس عمرًا أطول من ظالميه، فشهد بأم عينيه سقوط الطغاة، وانهيار دولة الاستبداد، وزوال ريح الحزب الذي اضطهده.
رأى المساجد تفتح أبوابها، والمآذن تعانق السماء بالأذان صبح مساء. ومدارس العلم تستقبل طلابها أفواجًا.
ورأى تلاميذه يبثون العلم والهدى في الأرجاء وتحولت قريته الزراعية المتواضعة قرب مطار بيشكيك إلى محجٍّ للزوار من داغستان ومختلف أرجاء العالم الإسلامي.
خلال زيارتنا، روى لنا الشيخ قبسات من سيرته، وأهدانا كتابه المكتوب بخط يده بالعربية بعنوان “ماذا رأيت في الشيوعية”.
كان هذا الكتاب، بما حمله من دروس الصبر والمثابرة، من أكثر ما ألهمني شخصيًا، ولا يزال صداه يتردد في وجداني.
افتتحه الشيخ بالآية الكريمة
"وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآية لكل صبار شكور".
أعيدت طباعة الكتاب في داغستان مؤخرا، وتمت ترجمته إلى اللغة الروسية، وقام الناشر بتحقيق مفيد للكتاب، شرح فيه بعض المصطلحات التي قد تصعب على القراء اليوم.
الكتاب وثيقة تاريخية نادرة تكشف آلة القمع من منظور أحد ضحاياه، كمن يقرأ لأحد مسلمي الأندلس يروي فظائع محاكم التفتيش
تظل قصة الشيخ إلياس شاهدة على أن الإيمان والصبر يمكنهما تحدي أعتى الظروف، داعية كل مسلم لاستلهام دروس الماضي في بناء المستقبل.
بقلم علي ابو عصام
خواطر من ومضات الذاكرة ولي الله يعقوبوف
"ميشار" نيجني نوفغورود: مآذن من رحم المعاناة
كيف حفظ "المجلس" هوية التتار من الذوبان؟
IslamNews.Ru وكالة الأنباء
تسجيل الدخول ب:
Ответить
بارك الله فيكم ، أحسنتم النشر ، وأنا محقق الكتاب وناشره ومترجمه إلى الروسية ، وأود لو أمكنني أن أتواصل مع صاحب المقالة